فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ أي فإذا هي بيضاء للنظارة ولا تكون بيضاء للنظارة إلا إذا كان بياضا عجيبا خارجا عن العادة يجذب الناس للنظر إليه
قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ أي عالم بالسحر ماهر فيه قد خيل إلى الناس العصا حية والآدم أبيض، وهذا الكلام ذكر على لسان فرعون في سورة الشعراء، وهنا ذكر على لسان الملأ فإما أن كلا منهم قاله فحكى قوله ثمة وقولهم هنا، أو قاله ابتداء فتلقفه الملأ منه بعد أن أوحى إليهم به وتبنوه
يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ أي مصر فَماذا تَأْمُرُونَ أي فماذا تشيرون وهو- أي السؤال الأخير- من كلام فرعون قاله للملإ بعد أن قالوا ما قالوه وفي ذلك إشعار أن الطاغية يشعر من حوله أنه منفذ لأوامرهم
قالُوا أَرْجِهْ وَأَخاهُ أي أخر واحبس أي: أخر أمره ولا تعجل، فكأنه هم بقتله فقالوا أخر أمره واحبسه ولا تقتله ليتبين سحره عند الخلق والمراد بأخيه هارون عليهما السلام وَأَرْسِلْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ أي جامعين
يَأْتُوكَ بِكُلِّ ساحِرٍ عَلِيمٍ أي مثله في المهارة أو بخير منه
وَجاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ يفهم من ذلك أنه أرسل إليهم فحضروا قالُوا إِنَّ لَنا لَأَجْراً أي لجعلا عظيما إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغالِبِينَ أي إن غلبنا موسى في سحره
قالَ نَعَمْ أي إن لكم لأجرا وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ أي عندي فتكونون أول من يدخل وآخر من يخرج
قالُوا يا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ أي عصاك. وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ لما معنا ويظهر أن رغبتهم كانت في أن يلقوا قبله، فهم هذا من طريقة خطابهم وذكرهم أنفسهم بضمير نحن
قالَ موسى أَلْقُوا ازدراء لشأنهم، وقلة مبالاة بهم، واعتمادا على أن المعجزة لن يغلبها شئ، وليظهر للناس بطلان سحرهم بعد أن يندهش الناس به. ولا شك أن تخييرهم إياه أدب حسن راعوه معه، كما يفعل المتناظرون قبل أن يتخاوضوا في الجدال.
وقد خدمهم حسن الأدب هذا فالحسنة تأتي بالحسنة. بدءوا معه بحسن الأدب، وانتهوا مؤمنين به فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ أي أروا أعين الناس بالحيل والشعوذة وخيلوا إليهم ما الحقيقة بخلافه كما سيأتي تفصيل ذلك في سورة طه وَاسْتَرْهَبُوهُمْ أي وأرهبوهم إرهابا شديدا كأنهم استدعوا رهبتهم بالحيلة. وَجاؤُ بِسِحْرٍ عَظِيمٍ أي في باب السحر أو في عين من رآه
وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ أي تبتلع. ما يَأْفِكُونَ أي ما يقلبونه من الحق إلى الباطل ويزورونه.
فَوَقَعَ الْحَقُّ أي فثبت وحصل وَبَطَلَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ أي من السحر.