هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ. أي ابتدأ خلق أصلكم أي آدم منه ثُمَّ قَضى أَجَلًا. أي: حكم بالموت وقدّره وقضاه وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ. أي: أجل القيامة، ويحتمل أن يكون المراد بالأجل الأول: ما بين أن يخلق الإنسان إلى أن يموت.
وبالأجل الثاني البرزخ: وهو ما بين الموت والبعث، ويحتمل أن يكون المراد بالأجل الأول:
النوم، وبالثاني: الموت. ويحتمل أن يكون المراد بالأجل الثاني هو الأول ويكون التقدير: ثمّ قضى أجلا مسمّى عنده أي معلوم ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ تحتمل أن تكون من المرية فيكون المعنى: ثم أنتم تشكون، ويحتمل أن يكون من المراء فيكون المعنى ثم أنتم تجادلون ويفيد مجئ (ثم) في هذا المقام استبعاد أن يمتروا فيه بعد ما ثبت أنّه محييهم ومميتهم
وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ. أي: وهو المعبود فيهما، أو هو المعروف بالإلهية فيهما، أو هو الذي يقال له الله فيهما يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ ما تَكْسِبُونَ. أي من الخير والشرّ ويثيب عليه ويعاقب.
[كلمات ونقول في الآيات الثلاث]
هذه الآيات الثلاث هي مقدمة السورة، كما أنّها مقدمة المقطع الأول، وبحكم أنهّا مقدمة السّورة فهي تشير إلى مضمونها، وإذ كان مضمون السورة مرتبطا بمحور السّورة من البقرة، فإن هذه الآيات الثلاث تكاد تعرض لمحور السورة بشكل واضح.
ولنعقد مقارنة بين محور سورة الأنعام من سورة البقرة وهذه المقدمة:
كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ هذه هي الآية الأولى في المحور، لاحظ صلتها بالآية الثانية من مقدمة سورة الأنعام:
هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ.
والآية الثانية في محور السورة هي: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ.
لاحظ صلة معانيها بالآية الأولى والثالثة من مقدمة سورة الأنعام الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ ... وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ إن محور سورة الأنعام من سورة البقرة يعجّب من كفر الكافرين، وينكر عليهم، ومقدمة سورة الأنعام تدلّنا على الشكر بدل الكفر الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كما أنها تعرض علينا مواقف الكافرين ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا