هؤلاء. ولقد كونت هذه الأمة في قلب الجزيرة العربية حيث لا عبودية سابقة، فانتفت الظروف وأخذنا الدروس، فالمفروض أن تكون أمتنا بمنأى عن الأسئلة الساذجة أو المتعنتة أو التي لا تليق بالأمة الربانية. وأهم الأسئلة التي وجهها بنو إسرائيل لموسى (عليه السلام) في هذا السياق تعليقهم الإيمان به برؤية الله جهرة، وهو طلب متعنت ظالم، وطلبهم طعام الرخاء، وهو طلب أمة مسترخية، والأمة المسترخية لا تستطيع تحمل أعباء جهاد طويل المدى. إن هذا التوجيه يراد به من الأمة أن تبتعد عن مثل هذا النوع من السير الخاطئ الذي سارت به بنو إسرائيل، واقرأ هذه النصوص لترى كيف كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم نماذج صدق في كل حق:
في الصحيحين عن المغيرة «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينهى عن قيل وقال وإضاعة المال وكثرة السؤال» ... وتنفيذا لمثل هذا ولمثل ما ورد في الآية:
يقول البراء بن عازب:«إن كان ليأتي علي السنة أريد أن أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشئ فأتهيب منه، وإن كنا لنتمنى الأعراب» أي نتمنى أن يأتي الأعرابي فيسأله فنتعلم.
وقال ابن عباس: ما رأيت قوما خيرا من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ما سألوه صلى الله عليه وسلم إلا عن اثنتي عشرة مسألة كلها في القرآن: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ... يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ .. وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى ... اه. يعنى هذا وأشباهه فما أعظم هذا الجيل! فهم لم يكتفوا ألا يسألوا طلب تعنت بل لم يسألوا حتى على شاكلة أخرى إلا حيث الضرورة القصوى.
[الوقفة الثانية في سياق هذه الآية]
- إذا اعتبرنا (أم) في الآية منقطعة فإن محل الآية مع ما قبلها وما بعدها على الشكل التالي:
نهى الله المؤمنين أن يحاكوا اليهود في أدنى شئ، وأمرهم أن يسمعوا وبين لهم أن الكافرين جميعا لا يرغبون لهذه الأمة أدنى خير من الله، بينما خص الله عزّ وجل هذه الأمة بمزيد فضله؛ بأن أنزل عليهم رسالته وخاتمة شرائعه، وبذلك نسخت هذه الشريعة الشرائع السابقة، ومن ثم جاءت آية النسخ وما بعدها لتعلل للنسخ كله رادة