والاستكبار على من أنزل عليهم من الرسل بمعان متعددة، وبطرق من العرض هدفها واحد، وإذا ما استخرج هذا أطيب الاستعداد عند الإنسان لاتباع هذا القرآن الذي هو- كما ذكرنا- الصيغة النهائية والأخيرة لهدى الله، فإن السورة تبدأ تقص علينا قصص أمم أنزل عليها هدى، وكيف كان موقفها من هذا الهدى، وكيف عوقبت عند ما رفضت هذا الهدى، وقبل أن نبدأ نحب أن نذكر بما قلناه من قبل وهو أن ذكر القصة في سورة من سور القرآن إنما يخدم غرضها فإذا ما تكررت القصة فإنها في كل مرة تخدم غرضا خاصا، ومن ثم تجد أحيانا القصة يذكر طرف منها في مكان وطرف منها في مكان، وذلك لأن قسما منها يخدم غرض السورة الأولى، والقسم الآخر يخدم غرض السورة الثانية، وقد تتكرر القصة والمعاني متقاربة أو واحدة ولكن شيئا ما منها هو سبب التكرار، فإذا عرفنا أن ما قصه الله علينا من قصص يستوعب كل النماذج للحياة البشرية، وأنه مهما حدث تكرار فلمراد خاص، وضمن محور خاص، وبأسلوب خاص، وطريقة عرض خاصة، عرفناكم في هذا القرآن من إعجاز لا يحاط
به. وعرفنا رشحة من معنى قوله تعالى الذي مر معنا في هذا المقطع وَلَقَدْ جِئْناهُمْ بِكِتابٍ فَصَّلْناهُ عَلى عِلْمٍ هُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ.
[القسم الثاني]
فصل في أقسام السورة: مر معنا حتى الآن مقدمة سورة الأعراف، والمقطع الأول منها، وقلنا إن المقدمة والمقطع تشكلان القسم الأول من السورة، وهذا القسم تتكامل معانيه كما رأينا، يبدأ بقوله تعالى كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وينتهي بالفقرة المبدوءة بقوله تعالى: وَلَقَدْ جِئْناهُمْ بِكِتابٍ فَصَّلْناهُ عَلى عِلْمٍ والمنتهية بقوله تعالى وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ
وبعد ذلك يأتي القسم الثاني:
وفيه قصص أقوام: نوح، وهود، وصالح، ولوط، وشعيب، ثم تعقيب عليها، ثم يستمر القسم بالحديث عن موسى عليه السلام وقومه والدليل على أن قصة موسى استمرار لما قبلها استعمال كلمة «ثم» في بدايتها ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى ...
وتنتهي قصة موسى وقومه بقوله تعالى: وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ ....
وتستغرق أكبر قطاع من السورة. ويأتي بعد ذلك القسم الأخير من السورة وبدايته