فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ أي من أيام الدنيا. قال ابن كثير:
(وترفع الأعمال إلى ديوانها فوق سماء الدنيا ومسافة ما بينها وبين الأرض مسيرة خمسمائة سنة. وقال مجاهد وقتادة والضحاك: النزول من الملك في مسيرة خمسمائة عام وصعوده في مسيرة خمسمائة عام، ولكنّه يقطعها في طرفة عين)
ذلِكَ أي المدبّر لهذه الأمور الموصوف بما مر عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ أي عالم ما غاب عن العباد وما شاهدوه الْعَزِيزُ أي الغالب أمره الذي قد عزّ كلّ شئ فقهره وغلبه ودانت له المخلوقات الرَّحِيمُ أي البالغ لطفه وتيسيره. قال ابن كثير:(فهو عزيز في رحمته، رحيم في عزته وهذا هو الكمال، العزّة مع الرحمة والرحمة مع العزّة، فهو
رحيم بلا ذل)
الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ أي أحسن خلق كل شئ لأن كل شئ مرتّب على ما اقتضته الحكمة وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ يعني خلق أبا البشر آدم من طين
ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ أي ذريته مِنْ سُلالَةٍ أي من نطفة مِنْ ماءٍ أي منّي مَهِينٍ أي ضعيف حقير ممتهن
ثُمَّ سَوَّاهُ أي قوّمه وصنعه وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ أي وأدخل فيه من روحه كأنه قال: ونفخ فيه من الشئ الذي اختص هو به وبعلمه وهو الروح: فإضافة الروح إلى الله لتبيان اختصاصها به لا أن لله روحا هذه جزء منها تعالى الله عزّ وجل عن ذلك وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ أي العقول لتسمعوا وتبصروا وتعقلوا قَلِيلًا ما تَشْكُرُونَ بهذه القوى التي رزقكموها الله عزّ وجل. فالسعيد من استعملها في طاعة ربه عزّ وجل.
عند قوله تعالى فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ قال الألوسي:
(وألف سنة على حقيقتها وهي مسافة ما بين الأرض ومحدب السماء الدنيا بالسير المعهود للبشر، فإن ما بين السماء والأرض خمسمائة عام، وثخن السماء كذلك، كما جاء في الأخبار الصحيحة، والملك يقطع ذلك في زمان يسير فالكلام على التشبيه، فكأنه قيل: يريد تعالى الأمر متقنا مراعى فيه الحكمة بأسباب سماوية نازلة آثارها وأحكامها إلى الأرض فيكون كما أراد سبحانه فيعرج ذلك الأمر مع الملك ويرتفع خبره إلى حضرته سبحانه في زمان هو كألف سنة مما تعدّون).