لاحظ ما ختمت به الآية الأولى من هذه المجموعة لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ وأنه عين الذي ختمت به الآية الأولى من السورة سُورَةٌ أَنْزَلْناها وَفَرَضْناها وَأَنْزَلْنا فِيها آياتٍ بَيِّناتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ وهذا يفيد أن التذكر كما يكون أثرا عن البيان، يكون أثرا عن تطبيق الأحكام، فلا يكون الإنسان لله ذاكرا إلا باجتماع الذكر، وقراءة القرآن، وتطبيق الأحكام، ولنعد إلى التفسير.
فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيها في البيوت أَحَداً من الآذنين فَلا تَدْخُلُوها حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ أي حتى تجدوا من يأذن لكم، أو فإن لم تجدوا فيها أحدا من أهلها ولكم فيها حاجة فلا تدخلوها إلا بإذن أهلها، لأن التصرف في ملك الغير لا بد أن يكون برضاه وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا إذا كان فيها قوم فقالوا قبل الإذن أو بعده ارجعوا فارجعوا، ولا تلحوا في إطلاق الإذن، ولا تلجوا في تسهيل الحجاب، ولا تقفوا على الأبواب، لأن هذا مما يجلب الكراهة، وإذا نهي عن ذلك فقد نهي ضمنا عن كل ما يؤدي إلى إزعاج أهل البيت، من قرع الباب بعنف، ورفع الصوت وغير ذلك هُوَ أَزْكى لَكُمْ أي الرجوع أطيب وأطهر؛ لما فيه من سلامة الصدور، والبعد عن الريبة، أو أنفع وأنمى خيرا وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ هذا وعيد للمخاطبين بأنه عالم بما يأتون وما يذرون مما خوطبوا به، فموف جزاءه عليه
لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أي إثم في أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ قال ابن كثير:(هذه الآية الكريمة أخص من التي قبلها، وذلك أنها تقتضي جواز الدخول إلى البيوت التي ليس فيها أحد إذا كان له متاع فيها بغير إذن، كالبيت المعد للضيف، إذا أذن له فيه أول مرة كفى .. وقال آخرون: هي بيوت التجار كالخانات ومنازل الأسفار، وبيوت مكة، وغير ذلك، واختار ذلك ابن جرير) أقول: ويدخل في ذلك في عصرنا الفنادق فِيها مَتاعٌ لَكُمْ المراد بالمتاع إما الأغراض الخاصة، وإما المنفعة العامة قال النسفي: أي منفعة كالاستكنان من الحر والبرد، وإيواء الرحال، والسلع والشراء والبيع وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما تَكْتُمُونَ قال النسفي: هذا وعيد للذين يدخلون الخربات، والدور الخالية من أهل الريبة.
[كلمة في السياق]
في هذه الآيات الثلاث ذكر الله عزّ وجل آدابا عامة في موضوع الدخول إلى البيوت