ولا يبدّل، وقال: أي: في ليلة القدر يفصل من اللوح المحفوظ إلى الكتبة أمر السنة وما يكون فيها من الآجال والأرزاق، وما يكون فيها إلى آخرها. وقال النسفي: في الآيتين الأخيرتين: (هما جملتان مستأنفتان فسّر بهما جواب القسم كأنه قيل: أنزلناه؛ لأن من شأننا الإنذار والتحذير من العقاب، وكان إنزالنا إياه في هذه الليلة خصوصا؛ لأن إنزال القرآن من الأمور الحكيمة، وهذه الليلة مفرق كل أمر حكيم
أَمْراً مِنْ عِنْدِنا أي: جميع ما يكون ويقدّره الله تعالى وما يوحيه فبأمره وإذنه وعلمه. أي:
الأمر الذي يفرق في ليلة القدر أمرا من عند الله، وصف أمره في الآية السابقة بالحكمة، ثم زاده في هذه الآية جزالة وفخامة، بأن قال: أعني بهذا الأمر أمرا حاصلا من عندنا كما اقتضاه علمنا وتدبيرنا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ أي: إنا أنزلنا القرآن؛ لأن من شأننا وسنتنا إرسال الرسل بالكتب إلى عبادنا لأجل الرحمة عليهم.
ومن ثم قال رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وقد وصف الرحمة بالإرسال إيذانا بأن الربوبية تقتضي الرحمة على المربوبين إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ لأقوال العباد الْعَلِيمُ بأحوالهم
رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ قال ابن كثير: أي: الذي أنزل القرآن هو رب السموات والأرض وخالقهما ومالكهما وما فيهما .. إن كنتم متحققين باليقين. قال النسفي في معنى إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ: إنهم كانوا يقرون بأن للسماوات والأرض ربا وخالقا فقيل لهم: إن إرسال الرسل وإنزال الكتب رحمة من الرب، ثم قيل: إن هذا الرب هو السميع العليم، الذي أنتم مقرون به ومعترفون بأنه رب السموات والأرض وما بينهما، إن كان إقراركم عن علم وإيقان. فآمنوا أنه أرسل رسلا وأنزل كتبا. أقول: وهذا يفيد أن معرفة الله حق المعرفة تقتضي الجزم بأنه أرسل رسلا وأنزل كتبا
لا إِلهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ ومن كان هذا شأنه فلا يترك عباده بلا هداية ولا توجيه ولا إنذار ولا رسل ..
نقل:[عن صاحب الظلال حول آية رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ]
بمناسبة قوله تعالى: رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ قال صاحب الظلال: (وما تتجلى رحمة الله بالبشر كما تتجلى في تنزيل هذا القرآن بهذا اليسر، الذي يجعله سريع اللصوق بالقلب، ويجعل الاستجابة له تتم كما تتم دورة الدم في العروق.
وتحول الكائن البشري إلى إنسان كريم، والمجتمع البشري إلى حلم جميل، لولا أنه واقع تراه العيون!.