الدنيا ويسوفون أنفسهم ويعدونها بالتوبة، وكلما لاح لهم عرض دنيوي تراموا عليه، فلا يتاح لهم شئ من الدنيا إلا أخذوه حلالا كان أو حراما، يتمنون المغفرة، ولا يتوبون التوبة النصوح مع أن الله أخذ عليهم الميثاق ليبينن الحق للناس ولا يكتمونه، ولكنهم لا عقل لهم. ثم أثنى تعالى على من تمسك بكتابه الذي يقوده إلى اتباع رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، كما هو مكتوب فيه، مع إقام الصلاة، فهذا هو المصلح الحقيقي ومن هذه الجولة ندرك أن أمة هذا شأنها في كونها تغلب أمر الدنيا على الآخرة شئ عادي أن ترفض الدعوة الجديدة.
ثم أمرهم تعالى أن يتذكروا إذ رفع فوقهم الجبل من أجل أن يأخذوا بأحكام التوراة ويعملوا بما فيها ليكونوا من المتقين. وفي هذا التذكير دعوة للدخول في الدين الجديد وتهديد لهم إن لم يفعلوا.
وهذا المقطع بسياقه هذا يحقق ثلاثة أهداف. الهدف الأول: أنه يتمم الكلام عن بني إسرائيل، ومواقفهم من الهدى المنزل عليهم، وانحرافهم عنه، وما عوقبوا به نتيجة لذلك. وفي هذا درس لهذه الأمة من هذه الحيثية.
والهدف الثاني: أن هذه المعاني عرضت في سياق الأمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدعو الناس لدينه واليهود من المدعوين وفي الكلام عنهم بهذا العرض لا يستغرب رفضهم للدعوة الجديدة، وهذا مهم جدا، إذ إن اليهود هم شهود على صدق هذه الرسالة، فموقف الرفض منهم قد يؤثر على مواقف الناس، فإن يذكر من أخلاقهم ما لا يستغرب معه كفرهم بالدعوة الجديدة، فذلك شئ مهم في التمكين لهذه الدعوة.
والهدف الآخر هو الهدف المباشر من هذا النص وهو هذه الأمة أن تترفع عما وقعت فيه الأمم من انحراف وأن يرتفع أفراد هذه الأمة عما وقع فيه أفراد من أمم أخرى.
[المعنى الحرفي]
وَقَطَّعْناهُمُ أي وصيرناهم مميزين بعضهم عن بعض اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْباطاً كقولك اثنتي عشرة قبيلة والأسباط: أولاد الولد والمراد هنا وقطعناهم اثنتي عشرة قبيلة وكل قبيلة أسباط فوضع أسباط موضع قبيلة أُمَماً أي وقطعناهم أمما لأن كل سبط كان أمة عظيمة وكل واحدة كانت تؤم خلاف ما تؤمه الأخرى وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى إِذِ اسْتَسْقاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ أي فانفجرت مِنْهُ