إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ إلى قوله: وَما قَتَلُوهُ يَقِيناً بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً* وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً والضمير في قوله قبل موته عائد على عيسى عليه السلام أي: وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن بعيسى، وذلك حين ينزل إلى الأرض قبل يوم القيامة على ما سيأتي بيانه فحينئذ يؤمن به أهل الكتاب كلهم؛ لأنه يضع الجزية ولا يقبل إلا الإسلام. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا أحمد بن عبد الرحمن حدثنا عبد الله بن أبي جعفر عن أبيه حدثنا الربيع بن أنس عن الحسن أنه قال في قوله تعالى: إِنِّي مُتَوَفِّيكَ يعني وفاة المنام رفعه الله في منامه. قال الحسن: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لليهود «إن عيسى لم يمت وإنه راجع إليكم قبل يوم القيامة».
أقول: والذي دعا أهل التحقيق للجزم بهذا، هو النصوص المتواترة في نزول المسيح عليه الصلاة والسلام إلى الأرض قبيل قيام الساعة كما سنرى، وقد جرت سنة الله- عزّ وجل- أنه إذا أمات عبدا لا يرجعه إلى الدنيا إلا خرقا لعادة، وقد رد أبو بكر على عمر رضي الله عنهما عند ما ذهب عمر إلى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سيعود إلى الحياة بعد وفاته، بأن الله- عزّ وجل- لا يجمع على رسول الله صلى الله عليه وسلم ميتتين، وقد يستأنس بعضهم لذلك بما ذكره إنجيل برنابا- والله أعلم بصحته- على لسان المسيح عليه الصلاة والسلام لأمه:
«صدقيني يا أماه لأني أقول لك بالحق، إني لم أمت قط لأن الله قد حفظني إلى قرب انقضاء العالم».
[فصل في نبوة النساء]
لا خلاف في أن الله- عزّ وجل- لم يرسل رسولا من النساء لقوله تعالى وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا (سورة يوسف) ولكن هناك خلافا كبيرا في جواز استنباء النساء، فمنهم من ذهب إلى جوازه ووقوعه، واستدل على ذلك بتكليم الملائكة لمريم عليها السلام، وأعطاها صفة النبوة لذلك، ومنهم من منعه ولم يعتبر أن تكليم الملائكة دليل على النبوة، لأن هناك نصوصا مجمعا على أنها في حق غير الأنبياء جرى فيها تكليم من الملائكة للبشر، وقد وصف الله- عزّ وجل- مريم بأنها صديقة وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ (سورة المائدة) والصديقية مقام والنبوة مقام آخر، وهذا الذي رجحناه أثناء عرضنا لتفسير القسم الثاني.