للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللَّهِ إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ (الروم: ٥٦) الآية. فهذا عين إيقانهم بالآخرة، وهم المحسنون الموصوفون بما ذكر، وأيضا ففي كلتا السورتين جملة من الآيات وابتداء الخلق.

وذكر في السابقة فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ وقد فسر بالسماع وذكر هنا وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ وقد فسر بالغناء وآلات الملاهي. اه.

وسيأتي- إن شاء الله تعالى- الكلام في ذلك، وأقول في الاتصال أيضا: إنه قد ذكر فيما تقدم قوله تعالى: وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ (الروم: ٢٧) وهنا قوله سبحانه: ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ وكلاهما يفيد سهولة البعث وقرر ذلك هنا عز قائلا: إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ وذكر سبحانه هناك قوله تعالى: وَإِذا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذا أَذاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (الروم: ٣٣)، وقال عزّ وجل هنا:

وَإِذا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ فذكر سبحانه في كل من الآيتين قسما لم يذكره في الأخرى إلى غير ذلك.

وما ألطف هذا الاتصال من حيث إن السورة الأولى ذكر فيها مغلوبية الروم، وغلبتهم المبنيتين على المحاربة، بين ملكين عظيمين من ملوك الدنيا تحاربا عليها وخرجا بذلك عن مقتضى الحكمة، فإن الحكيم لا يحارب على دنيا دنية لا تعدل عند الله تعالى جناح بعوضة، وهذه ذكر فيها قصة عبد مملوك- على كثير من الأقوال- حكيم زاهد في الدنيا، غير مكترث بها، ولا ملتفت إليها، أوصى ابنه بما يأبى المحاربة، ويقتضي الصبر والمسالمة، وبين الأمرين من التقابل ما لا يخفى.).

[وقال صاحب الظلال في تقديمه لسورة لقمان]

(جاء هذا القرآن الكريم ليخاطب الفطرة البشرية بمنطقها. نزله الذي خلق هذه الفطرة، والذي يعلم ما يصلح لها وما يصلحها، ويعلم كيف يخاطبها، ويعرف مداخلها ومساربها. جاء يعرض على هذه الفطرة الحقيقة المكنونة فيها من قبل؛ والتي تعرفها قبل أن تخاطب بهذا القرآن، لأنها قائمة عليها أصلا في تكوينها الأول ..

تلك هي حقيقة الاعتراف بوجود الخالق وتوحيده، والتوجه إليه وحده بالإنابة والعبادة مع موكب الوجود كله المتجه إلى خالقه بالحمد والتسبيح .. إنما تغشى على الفطرة غواش من دخان هذه الأرض؛ وتغمرها غمرات من فورة اللحم والدم؛ وتنحرف بها

<<  <  ج: ص:  >  >>