للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رسوله صلّى الله عليه وسلم أن يذكره؛ لما فيها من دروس للنذير، ولأولي العقول من البشر في فضيلة الأوبة إلى الله، والصبر على بلائه. ويلاحظ أن قصة أيوب عليه السلام تأتي هنا عقب قصة سليمان عليه السلام كما هي في سورة الأنبياء، وفي ذلك إشارة إلى أن الله عزّ وجل يبتلي بالنعمة، كما يبتلي بالمحنة، ومهمة العبد أن ينجح في الابتلاءين، ومن السياق هنا نعلم أنّ الأوّابيّة هي الصّفة المرشح أهلها للنّجاح في الامتحانات الإلهية.

٢ - رأينا أن سورة الأنبياء كانت تفصيلا لقوله تعالى في سورة البقرة: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ وقد آن لنا أن نلاحظ الشبه الكبير بين سورة الأنبياء، وسورة (ص) سواء في مقدمتها، أو في ذكر بعض النماذج والأمثلة فيها، مما يؤكد ما ذهبنا إليه من أن محور سورة (ص) هو نفس محور سورة الأنبياء.

٣ - نلاحظ أن قصة أيوب عليه السلام ورد فيها قوله تعالى: وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ، ونلاحظ أنه في وسط قصة داود وسليمان عليهما السلام ورد قوله تعالى في القرآن وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ مما يشير إلى أن المقطع كله بيان لكون القرآن ذكرا، وعلى هذا فهو يعرض في سياقه نماذج تؤكّد أنه ذكر. وصلة ذلك بقوله تعالى: ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ واضحة. إنّ في تبيان أن القرآن ذكر، وإقامة الدليل على ذلك في سياق السورة التي تتحدّث عن عدم استفادة الكافرين من الإنذار دليلا على أن العلة في الكافرين، والحجة قائمة عليهم، وسيتّضح هذا في الأمرين القادمين الآتيين بصيغة (واذكر):

...

وَاذْكُرْ عِبادَنا إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي. قال ابن عباس:

أي: أولي القوة وَالْأَبْصارِ أي: الفقه في الدين. قال ابن كثير: (يعني بذلك العمل الصالح، والعلم النافع، والقوة في العبادة، والبصيرة النافذة). قال النسفي:

أي: (أولي الأعمال الظاهرة، والفكر الباطنة)

إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ أي جعلناهم لنا خالصين بِخالِصَةٍ أي: بخصلة صالحة، لا شوب فيها ذِكْرَى الدَّارِ أي:

هي ذكر الدار، أو يعني ذكر الدار الآخرة. قال النسفي: (يعني: جعلناهم لنا خالصين بأن جعلناهم يذكّرون النّاس الدار الآخرة، ويزهّدونهم في الدنيا، أو معناه: أنّهم يكثرون ذكر الآخرة، والرّجوع إلى الله، وينسون ذكر الدنيا). قال مجاهد: أي: جعلناهم

<<  <  ج: ص:  >  >>