للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(٢)

أَلَمْ تَرَ أي ألم تعلم أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي أي يسوق سَحاباً السحاب جمع سحابة كما قال النسفي ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ أي ثم يضم بعضه إلى بعض ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكاماً أي متراكما بعضه فوق بعض فَتَرَى الْوَدْقَ أي المطر يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ يخرج من بينه وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ أي من السحاب مِنْ جِبالٍ فِيها أي من كتل ضخمة منها، تشبه الجبال في عظمتها، ومساقطها وهيئتها مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ أي بالبرد أو بالبرد والمطر مَنْ يَشاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشاءُ فلا يصيبه البرد وحده، أو البرد والمطر، ويمكن أن يكون المراد: يعذب بالبرد من يشاء، ويصرفه عن من يشاء فلا يعذبه، ومن ذهب إلى هذا المعنى نظر إلى ما يفعله البرد أحيانا من نثر الثمار، وإتلاف الزروع والأشجار يَكادُ سَنا بَرْقِهِ أي ضوؤه يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ أي يخطفها والمعنى: يكاد ضوء برقه- من شدته- يخطف الأبصار إذا اتبعته وتراءته

يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ أي هو المصرف لهما في تعاقبهما واختلافهما طولا وقصرا إِنَّ فِي ذلِكَ أي في إزجاء السحاب، وإنزال الودق والبرد، وتقلب الليل والنهار لَعِبْرَةً أي لدليلا على عظمته لِأُولِي الْأَبْصارِ التي ترى ويعقل أصحابها.

[كلمة في السياق]

إن ظاهرة الهداية في المطر والبرد والليل والنهار واضحة، فما ذكر في هاتين الآيتين فيه إشارة إلى مظهر من مظاهر الهداية، وإن الإنسان المنصف المدرك العاقل يعلم أن هذا ما كان ليكون لولا الله، فمن لم يعلم ذلك فهو أجهل الجاهلين، ومن علم ذلك عرف عظمة الله فعبد وخضع، أي دخل في الإسلام واهتدى بهدى الله، ومن هذا نعلم صلة الفقرة بسياق السورة ومحورها، ونحب هنا أن نشير إلى أن في الفقرة السابقة معجزة علمية سنراها في الفوائد، ولنعد إلى التفسير:

وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ أي كل حيوان يدب على وجه الأرض مِنْ ماءٍ يحتمل أن المراد بالماء الماء المخصوص كالنطفة. أو المراد به الماء العادي، فإنه واحد، مع أن الأحياء التي يدخل الماء في تركيبها- كأهم شئ وأكثره- مختلفة الأجناس والأشكال. وفي ذلك كله دليل قدرته فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ كالحية وما

<<  <  ج: ص:  >  >>