للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يلقون الكلام على عواهنه، ويطلقون التهم الظالمة بهذه الكثرة وهذه الكثافة، ومن ثم اتجه السياق للكلام عن المكذبين بالساعة وما أعد لهم، وفي ذلك إنذار لهؤلاء وَأَعْتَدْنا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً أي وهيأنا للمكذبين بيوم القيامة نارا شديدة في الاستعار

إِذا رَأَتْهُمْ النار مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ أي إذا كانت منهم بمرأى الناظرين في البعد سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَزَفِيراً أي سمعوا صوت غليانها، وشبه ذلك بصوت المتغيظ والزافر

وَإِذا أُلْقُوا مِنْها مَكاناً ضَيِّقاً قال قتادة عن أبي أيوب عن عبد الله بن عمرو قال: مثل الزج في الرمح أي من ضيقه مُقَرَّنِينَ أي وهم مع ذلك الضيق مسلسلون، مقرنون في السلاسل، قرنت أيديهم إلى أعناقهم في الأغلال ويقرن مع كل كافر شيطانه في سلسلة، وفي أرجلهم الأصفاد دَعَوْا هُنالِكَ ثُبُوراً أي هلاكا أي قالوا وا ثبوراه أي تعال يا هلاك فهذا حينك

فيقال لهم لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً واحِداً وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً أي إنكم وقعتم فيما ليس ثبوركم فيه واحدا، إنما هو كثير، قال ابن كثير: والأظهر أن الثبور يجمع الهلاك والويل والخسار والدمار

قُلْ أَذلِكَ المذكور من صفة النار خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ أي التي وعدها المتقون كانَتْ لَهُمْ جَزاءً وَمَصِيراً

لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ أي ما يشاءونه من الملاذ من مآكل ومشارب، وملابس ومساكن، ومراكب ومناظر، وأزواج وغير ذلك مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر خالِدِينَ أبدا دائما سرمدا بلا انقطاع ولا زوال ولا انقضاء كانَ عَلى رَبِّكَ وَعْداً مَسْؤُلًا أي موعودا مطلوبا، أو حقيقا أن يسأل، أو قد سأله المؤمنون والملائكة في دعواتهم، قال أبو حازم: إذا كان يوم القيامة قال المؤمنون:

ربنا عملنا لك بالذي أمرتنا، فأنجز لنا ما وعدتنا. وبهذا يكون السياق قد عرض لنا جزاء المكذبين لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وعرض لنا كذلك ما أعده للمؤمنين برسله، المصدقين لهم، العاملين بما أمروا، وإذ كان المشركون الذين تحدثت عنهم مقدمة السورة هم الذين كذبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم واقترحوا ما اقترحوا، فإن السياق يعرض حالهم وحال آلهتهم يوم القيامة؛ كتتمة لما أعد لهم، ولبيان أن شركهم لا ينفعهم يوم القيامة

وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ للبعث وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أي ومن عبدوهم من الملائكة، والمسيح وعزير- على رأي مجاهد- وقيل هي عامة في كل من عبد من دون الله فَيَقُولُ أي الله عزّ وجل أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبادِي هؤُلاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ والمعنى: أأنتم أوقعتموهم في الضلال، بإدخال الشبه، أم هم ضلوا عنه

<<  <  ج: ص:  >  >>