الكائن البشري يشق طريقه؛ بما ركب في فطرته من استعداد للخير والشر؛ وبما وهبه من عقل مرجح، وبما أمده من التذكير والتحذير على أيدي الرسل؛ ومن الضبط والتقويم بهذا الدين، كما اقتضت أن يتلقى الهداية والغواية؛ وأن يصطرع في كيانه الخير والشر؛ وأن ينتهي إلى إحدى النهايتين، فتحق عليه سنة الله، وتتحقق مشيئته بالابتلاء، سواء اهتدى أو ضل، فعلى سنة الله الجارية وفق مشيئته الطليقة يتحقق الهدى أو الضلال)
[فصل: في تعقيبات على قصة آدم]
مما عقب به صاحب الظلال على قصة آدم هذه القطوف التي ننقلها استكمالا لأخذ عبر هذه الفقرة من المقطع:
إن الحقيقة الأولى التي نستلمها من قصة النشأة الإنسانية هي- كما قلنا من قبل- التوافق بين طبيعة الكون ونشأة الكائن الإنساني، والتقدير الإلهي المحيط بالكون والإنسان والذي يجعل هذه النشأة قدرا مرسوما لا فلتة عارضة، كما يجعل التوافق بينهما هو القاعدة.
... والحقيقة الثانية المستلهمة من قصة النشأة الإنسانية: هي كرامة هذا الكائن الفريد في العوالم الحية؛ وضخامة دوره المنوط به؛ وسعة الآفاق والمجالات التي يتحرك فيها؛ وتنوع العوالم التي يتعامل معها- في حدود عبوديته لله وحده- مما يتناقض تماما مع المذاهب الحسية الوضعية المادية التي تهدد قيمته كعامل أساسي مؤثر في الكون، حيث تسند الأهمية كلها للمادة وتأثيراتها الحتمية. ومع مذهب النشوء والارتقاء الذي يلحقه بعالم الحيوان ولا يكاد يحفل بخصائصه الإنسانية المتميزة، أو مذهب التحليل النفسي الفرويدي الذي يصوره غارقا في وحل الجنس حتى ما يتسامى إلا عن طريق هذا الوحل نفسه! .. إلا أن هذه الكرامة لهذا الكائن الفريد لا تجعل من الإنسان «إلها» كما تحاول فلسفات عهد التنوير أن تقول، إنما هو الحق والاعتدال في التصور الإسلامي السليم.
والحقيقة الثالثة: أن هذا الكائن- على كل تفرده هذا- أو بسبب تفرده هذا- ضعيف في بعض جوانب تكوينه، حتى ليمكن قيادته إلى الشر والارتكاس إلى الدرك الأسفل، من خطام شهواته .. وفي أولها ضعفه تجاه حب البقاء. وضعفه تجاه حب