وكل هذا واقع بمشيئته تعالى وإرادته، وله الحكمة التامة في ذلك كله؛ إذ الأمر أمره، والقهر قهره، ولا يكون شئ في ملكه إلا بمشيئته، وإذ كان الأمر كذلك فدع يا محمد، ثم يا مسلم هؤلاء واجتنبهم وما هم عليه، واحمد الله على الهدى، فسيحكم الله بينك وبينهم، وكما أخطئوا في ما مرّ أخطئوا كذلك بأن شرعوا لأنفسهم فجعلوا أنعاما وحرثا محرّمة إلا على من شاءوا، وجعلوا أنعاما محرّمة على الرّكوب، وجعلوا أنعاما لا يذكر عليها اسم الله لا إن ركبوا، ولا إن حلبوا، ولا أن حملوا، ولا إن نتجوا، وكل ذلك افتراء على الله وكذب عليه منهم في إسنادهم ذلك إلى شرع الله ودينه، فإنّه لم يأذن لهم في ذلك ولا رضيه منهم، ولذلك هدّدهم بأنّه سيجزيهم بما كانوا يفترون عليه ويسندونه إليه فيعذبهم. وكما أخطئوا في هذا كله فقد أخطئوا في تشريعهم لأنفسهم تحريم اللبن على الإناث وتحليله للذكور، وجعل ولد الشاة إن كان ذكرا للذكور فقط، يذبحونه ويأكلونه، وإن كانت أنثى تركت فلم تذبح، وإن كانت ميتة فهم فيه شركاء، وكل ذلك من عند أنفسهم، وسيجزيهم الله على هذا الكذب، ومجازاته لهم هي عين الحكمة وهو العليم بأعمال عباده، من خير وشر، وسيجزيهم عليها أتم الجزاء، وبهذا تمّ المقطع معرّفا على الله، مبيّنا عقائد وأفعالا للكافرين ورادّا عليها.
[كلمة في السياق]
يتألف هذا المقطع من مقدمة وثلاث فقرات، كل فقرة مبدوءة بفعل ماض يتكلم عن الكافرين: وَجَعَلُوا، وَأَقْسَمُوا، وَجَعَلُوا.
المقدمة تحدثت عما فعله الله لهذا الإنسان، والفقرة الأولى تحدثت عن اتخاذ الإنسان شريكا لله، والفقرة الثانية تحدثت عن دعوى الكافرين أنهم يؤمنون لو جاءتهم آية، والفقرة الثالثة تحدثت عن بعض ما شرعه الكافرون لأنفسهم في اثنتين من أكبر نعم الله على الإنسان: الأنعام والحرث.
فالمقطع في سياقه شديد الصلة ببعضه، وهو شديد الصلة كذلك بمحوره من سورة البقرة- كما رأينا وكما سنرى- شديد الصلة فيما قبله وما بعده من سورة الأنعام.
[المعنى الحرفي]
إِنَّ اللَّهَ فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى الفلق: الشّقّ، والمعنى: فلق الحب عن السنبلة، والنواة عن النخلة. فهو فالق الحب والنوى بالنّبات والشجر يُخْرِجُ الْحَيَ