الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ أي بلغت عداوتهم مبلغا لو أنفق منفق في إصلاح ذات بينهم ما في الأرض من الأموال لم يقدر عليه وَلكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ بفضله ورحمته،
وجمع بين كلمتهم بقدرته، فأحدث بينهم التواد والتحاب، وأماط عنهم التباغض والتماقت إِنَّهُ عَزِيزٌ أي يقهر من يخدعون المؤمنين حَكِيمٌ في إيصال المؤمنين إلى النصر، وإذ كان الأمر كذلك فاجنح إلى السلم مع ملاحظة كل ما مر.
وهكذا جاء المقطع ليضع المسلمين في أفضل وضع في قضايا الحرب والسلام، بما لا يجعل لكافر عليهم حجة في موضوع السلام، وبما لا يؤدي السلام إلى إضرار بوضع المسلمين العسكري، وهذه القضايا بمجموعها مهمة في عصرنا كثيرا، ففي عصرنا إذ يتشدق المتشدقون بالسلام، وفي عصرنا الذي يقدر معه الكثيرون على تضليل الشعوب بحجة السلام، وضعنا الإسلام على الطريق الأمثل في كل شئ، عند ما نكون في الوضع الأقوى أو الأضعف، عند ما نكون كما نحن في عصرنا، أو كما كنا في الماضي، أو كما يمكن أن نكون في المستقبل.
وهكذا ابتدأت الفقرة في تعليم آداب القتال الإسلامي، وانتهت بتعليم أحكام المعاهدات، وبين ذلك كلام يخدم البداية والنهاية، وكل ذلك تفصيل لمحور السورة من سورة البقرة، وقد استطردنا في ذكر المعنى الحرفي للفقرة دون ذكر فوائد كل آية على حدة؛ لتكتمل صورة الفقرة في الأذهان.
[كلمة في آيات القتال]
ذكر من قبل كيف أن من أكبر ما يقع فيه الخطأ في عصرنا عدم وضع آيات القتال في مواضعها، بحيث تحمل آية على غير الحال التي تتحدث عنها، وفي ذلك من الخطر ما فيه، إما على تعطيل أحكام الجهاد، وإما على وضع المسلمين في وضع غير صحيح.
وفي عصرنا يفرط بعض حكام المسلمين، فيضعون المسلمين في المقام الأسوأ، ثم يحملونهم على قبول الأمر الواقع.
إنه لا بد للمسلمين من حكومة إسلامية، وعلى هذه الحكومة أن تقيم الإسلام، وعليها أن توجد القوة الإسلامية العسكرية، فإذا قام الإسلام، ووجد الإخلاص، ووجدت النفقة، ووجدت القوة، فعندئذ يأتي دور الموقف السياسي الحكيم الذي تحكمه القدرات والطاقات بموازين الإيمان. إن على القيادات الإسلامية أن تكون مدركة للطريق الذي تقيم به فريضة الجهاد في عصر ذي خصائص معينة، وهذا يقتضي منها