ويعاندونه. وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ أي مذل، إذ لما كان كفرهم سببه البغي، والحسد، ومنشأ ذلك التكبر، قوبلوا بالإهانة، والصغار. أخرج الإمام أحمد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر في صور الناس، يعلوهم كل شئ من الصغار، حتى يدخلوا سجنا في جهنم يقال له بولس تعلوهم نار الأنيار، يسقون من طينة الخبال، عصارة أهل النار».
وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِما أَنْزَلَ اللَّهُ أي إذا قيل لليهود صدقوا بالقرآن واتبعوه قالُوا نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا أي يكفينا الإيمان بما أنزل علينا من التوراة، ولا نقر إلا بذلك وَيَكْفُرُونَ بِما وَراءَهُ يعني بما بعده وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِما مَعَهُمْ أي غير مخالف له، وفيه رد لمقالتهم، وتسفيه لهم، وإقامة حجة عليهم، لأنهم إذا كفروا بما يوافق التوراة فقد كفروا بها فمن عرف الله وعرف كتابه؛ آمن بكل رسول له، وآمن بكل كتاب له أنزل أو ينزل وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتم الرسل بشرت به التوراة، والكتاب المنزل عليه يصدق ما في التوراة، فكيف يكفرون به! ولكنها ليست أول مواقفهم السيئة قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ أي إن كنتم صادقين في دعواكم الإيمان بما أنزل إليكم فلم قتلتم الأنبياء الذين جاءوكم بتصديق التوراة التي بأيديكم والحكم بها وعدم نسخها وأنتم تعلمون صدقهم؟ قتلتموهم بغيا، وعنادا، واستكبارا على رسل الله، فلستم تتبعون إلا مجرد الأهواء والآراء والتشهي، وهكذا أهل الباطل في كل زمن يفرون من الحق ويحتجون بما ليس حجة، بل بما به الحجة عليهم، فهم متناقضون وليس كمواقفهم وأفعالهم دليل على ما في قلوبهم، فهؤلاء ناس يدعون أنهم يؤمنون بما أنزل عليهم وبسبب ذلك يرفضون الإيمان بالوحي الجديد، فأقام الله عليهم الحجة بأنهم ليسوا مؤمنين بما أنزل عليهم، بدليل أنهم كانوا يقتلون أنبياءهم، وبدليل أنهم عبدوا العجل في زمن موسى مع كل الآيات التي رأوها.
قال تعالى مقيما عليهم تتمة الحجة:
وَلَقَدْ جاءَكُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ البينات هي الآيات الواضحات، والدلائل القاطعات، كالطوفان، والجراد، والقمل، والدم، والعصا، واليد، وفرق البحر، لقد جاءكم موسى بالآيات الواضحات، ثم اتخذتم العجل معبودا من دون الله، من بعد ما ذهب موسى إلى الطور لمناجاة الله عزّ وجل، وأنتم ظالمون في هذا الصنيع الذي صنعتموه، من عبادتكم العجل، وأنتم تعلمون أنه لا إله إلا الله، أو أنتم قوم من عادتكم الظلم، فإذا كان هذا شأنكم، وموسى موجود بين أظهركم، أتدعون الآن أن إيمانكم بالتوراة هو الذي يجعلكم لا