للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بين يدي سورة الفتح [وتقديم الألوسي]:

قال الألوسي في تقديمه لسورة الفتح: (نزلت بالمدينة على ما روي عن ابن عباس، وابن الزبير رضي الله تعالى عنهم، والأخبار تدل على أنها نزلت في السفر لا في المدينة نفسها وهو الصحيح، أخرج ابن أبي شيبة، وأحمد، والبخاري في تاريخه، وأبو داود، والنسائي، وجماعة عن ابن مسعود قال: أقبلنا من الحديبية مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم- أي: عام ست بعد الهجرة- وكان قد خرج إليها عليه الصلاة والسلام يوم الاثنين هلال ذي القعدة، فأقام بها بضعة عشر يوما، وقيل: عشرين يوما،

ثم قفل عليه الصلاة والسلام، فبينما نحن نسير إذ أتاه الوحي، وكان إذا أتاه اشتد عليه فسري عنه وبه من السرور ما شاء الله تعالى، فأخبرنا أنه أنزل عليه إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً وفي حديث صحيح أخرجه أحمد، وأبو داود، وغيرهما عن مجمع بن جارية الأنصاري ما يدل على أنها نزلت بعد منصرفه صلّى الله عليه وسلم من الحديبية أيضا، وأن ذلك عند كراع الغميم فقرأها عليه الصلاة والسلام على الناس وهو على راحلته، وفي رواية ابن سعد عنه ما يدل على أنها بضجنان، ونقل ذلك عن البقاعي، وضجنان- بضاد معجمة وجيم ونونين بينهما ألف بزنة سكران كما في القاموس- جبل قرب مكة، وهذا ونحوه قول بنزولها بين مكة والمدينة، ومثل ذلك يعدّ مدنيا على المشهور، وهو أن المدني ما نزل بعد الهجرة سواء نزل بالمدينة أم بمكة أم بسفر من الأسفار، والمكي ما نزل قبل الهجرة، وأما على القول بأن المكي ما نزل ولو بعد الهجرة بمكة ويدخل فيها- كما قال الجلال السيوطي- نواحيها- كمنى وعرفات والحديبية بل بعضها على ما في الهداية، وأكثرها على ما قال المحب الطبري من حرم مكة؛ والمدني ما نزل بالمدينة ويدخل فيها- كما قال أيضا- نواحيها كأحد. وبدر وسلع فلا، بل يعدّ على القول بأنه نزل قرب مكة مكيا، فالقول بأن السورة مدنية بلا خلاف فيه نظر ظاهر، وهي تسع وعشرون آية بالإجماع، ولا يخفى حسن وضعها هنا، لأن الفتح بمعنى النصر مرتب على القتال، وفي كل من ذكر المؤمنين المخلصين والمنافقين والمشركين ما فيه، وقد ذكر أيضا في الأولى الأمر بالاستغفار وذكر هنا وقوع المغفرة، وذكرت الكلمة الطيبة هناك بلفظها الشريف، وكنى عنها بكلمة التقوى بناء على أشهر الأقوال فيها، وستعرفها إن شاء الله تعالى إلى غير ذلك والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>