فمن شاء الذكر والتذكر ألهمه الله تعالى إياه فذكر القرآن، أي: قرأه وتذكر معانيه.
وقال ابن كثير: أي: فمن شاء ذكر الله تعالى في جميع أموره، ويحتمل عود الضمير إلى الوحي لدلالة الكلام عليه. أقول: فيكون المعنى: (فمن شاء أن يذكر هذا القرآن- بأن يأخذه ويتلوه ويعمل به- فعل) وكأن النص يقول: أيها الرسول لا يهمنك أمر من لم يذكره فإنه هو الخاسر
فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ أي: إن هذا القرآن تذكرة في صحف مكرمة، أي: إنها مثبتة في صحف منتسخة من اللوح. قال ابن كثير: أي:
معظمة موقرة
مَرْفُوعَةٍ أي: عالية القدر مُطَهَّرَةٍ قال ابن كثير: أي: من الدنس والزيادة والنقص. وقال النسفي:(أي: عن مس غير الملائكة أو عما ليس من كلام الله)
بِأَيْدِي سَفَرَةٍ أي: كتبة، قال النسفي: جمع سافر: أي: الملائكة ينتسخون الكتب من اللوح
كِرامٍ على الله أو عن المعاصي بَرَرَةٍ أي:
أتقياء، جمع بار. قال ابن كثير: والصحيح أن السفرة الملائكة، والسفرة يعني بين الله وبين خلقه، وفسر ابن كثير: الكرام البررة بقوله: أي: خلقهم كريم، حسن شريف، وأخلاقهم وأفعالهم بارة طاهرة كاملة، ومن هاهنا ينبغي لحامل القرآن أن يكون في أفعاله وأقواله على السداد والرشاد.
[كلمة في السياق]
١ - ذكرت الفقرة الأولى في السورة إعراض الرسول صلى الله عليه وسلم عن الأعمى، وإقباله على الكافر المستغني، وإنما فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم حرصا على إيمان هذا الكافر المستغني، وقد جاء هذا الجزء من الفقرة الثانية ليبين استغناء هذا القرآن عن المستغنين عنه، وليبين أن هذا القرآن له الدرجة العليا في الكرامة في كل حال، وفي هذا السياق ذكر الله عزّ وجل خصيصة من خصائص هذا القرآن وهو أنه تذكرة، والملاحظ: أن هذا الجزء من الفقرة ترك المشيئة للإنسان في أن يتذكر، وفي ذلك تهديد وإشعار بالاستغناء والعزة، فكأن هذا الجزء يقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم: اعرف قيمة ما أوحيته إليك ولا يحملنك الحرص على الخلق على مخالفة أدبه.
٢ - ثم يأتي الجزء الثاني والثالث من الفقرة الثانية وفيهما كلام عن الطبيعة الكافرة وإقامة حجة، وفي ذلك تعزية لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وتسلية له على كفر الكافرين، وتهييج للإنسان أن يتذكر ويشكر، وكأن الله عزّ وجل يقول لرسول الله