(ويقال سورة أصحاب الكهف كما في حديث أخرجه ابن مردويه وهي مكية كلها في المشهور، واختاره الداني، وروي عن ابن عباس وابن الزبير رضي الله عنهما، وعدّها بعضهم من السور التي نزلت جملة؛ لما أخرج الديلمي في مسند الفردوس عن أنس عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال:«نزلت سورة الكهف جملة، معها سبعون ألفا من الملائكة»، وفي رواية أخرى عن ابن عباس أنها مكية إلا قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا إلى آخرها فمدني، وهي مائة وإحدى عشرة آية عند البصريين، ومائة وعشرة عند الكوفيين، ومائة وست عند الشاميين، ومائة وخمس عند الحجازيين، ووجه مناسبة وضعها بعد الإسراء على ما قيل: افتتاح تلك بالتسبيح، وهذه بالتحميد، وهما مقترنان في الميزان وسائر الكلام نحو فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ* فسبحان الله وبحمده، وأيضا تشابه اختتام تلك، وافتتاح هذه، فإن في كل منهما حمدا، نعم فرق بينهما بأن الحمد الأول ظاهر في الحمد الذاتي، والحمد المفتتح به في هذه يدل على الاستحقاق غير الذاتي، وقال الجلال السيوطي في ذلك: إن اليهود أمروا المشركين أن يسألوا النبي صلّى الله عليه وسلّم عن ثلاثة أشياء: عن الروح، وعن قصة أصحاب الكهف، وعن قصة ذي القرنين، وقد ذكر جواب السؤال الأول في آخر السورة الأولى، وجواب السؤالين الآخرين في هذه، فناسب اتصالهما، ولم تجمع الأجوبة الثلاثة في سورة لأنه لم يقع الجواب عن الأول بالبيان، فناسب أن يذكر وحده في سورة، واختيرت سورة الإسراء لما بين الروح وبين الإسراء من المشاركة بأنّ كلّا منهما مما لا يكاد تصل إلى حقيقته العقول، وقيل: إنما ذكر هناك لما أن الإسراء متضمن العروج إلى المحل الأرفع، والروح متصفة بالهبوط من ذلك المحل، ولذا قال ابن سينا فيها:
هبطت إليك من المحل الأرفع ... ورقاء ذات تعزز وتمنع
ثم قال: ظهر لي وجه آخر وهو أنه تعالى لما قال في تلك وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا والخطاب لليهود، استظهر على ذلك بقصة موسى نبي بني إسرائيل مع الخضر عليهما السلام التي كان سببها ذكر العلم والأعلم، وما دلت عليه من كثرة معلومات الله تعالى التي لا تحصى، فكانت هذه السورة كإقامة الدليل، لما ذكر من الحكم في تلك السورة، وقد ورد في الحديث أنه لما نزل وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا قال اليهود: قد أوتينا التوراة فيها علم كل شئ فنزل قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ