ما وجدنا عليه آباءنا. أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ الذين يتبعونهم ويقتدون بهم ويقتفون أثرهم لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً أي ليس لهم فهم وَلا يَهْتَدُونَ أي ليس لهم هداية إلى صواب.
وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا فيما هم فيه من الغي والضلال والجهل كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ أي: يصيح بِما لا يَسْمَعُ إِلَّا دُعاءً وَنِداءً هي الدواب السارحة التي لا تفقه ما يقال لها. بل إذا نعق بها راعيها؛ أي دعاها، لا تفقه ما يقول، ولا تفهم محتواه، بل إنما تسمع صوته فقط: والنداء ما يسمع. والدعاء قد يسمع وقد لا يسمع.
شبه الكافرين بالبهائم من حيث إن الكافر إذا دعي للإيمان لا يسمع من الدعاء إلا جرس النغمة ودوي الصوت من غير إلقاء أذهان ولا استبصار. وكذلك الحيوانات لا تسمع إلا دعاء الناعق ونداءه. ولا تفقه شيئا آخر صُمٌّ عن سماع الحق بُكْمٌ لا يتفوهون به عُمْيٌ عن رؤية طرقه ومسالكه فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ أي لا يفهمون موعظة فيعقلونها.
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ أي من مستلذاته المشروعة، أو حلالاته وَاشْكُرُوا لِلَّهِ الذي رزقكموها إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ إن صح إنكم تختصونه بالعبادة، وتقرون أنه معطي النعم.
ثم بين المحرم فقال: إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وهي كل ما فارق الروح من غير ذكاة شرعية مما يذبح. وقد خصصت الأحاديث من ذلك: السمك والجراد. وَالدَّمَ يعني السائل لقوله تعالى في موضع آخر: أَوْ دَماً مَسْفُوحاً (سورة الأنعام) وخصصت الأحاديث من الدم: الكبد والطحال. واستثنى الفقهاء ما يبقى في العروق بعد الذبح للضرورة. وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ يعني الخنزير بجميع أجزائه، وخص اللحم لأنه المقصود بالأكل، ولأن الشحم وغيره يدخل مع اللحم تغليبا. وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ أصل الإهلال رفع الصوت، والمراد به هنا ما ذبح على غير اسم الله، أي رفع به الصوت للأصنام وغيرها من الآلهة المزعومة أو الأشياء المعظمة. فَمَنِ اضْطُرَّ أي فمن ألجئ فأكل غَيْرَ باغٍ أي غير ظالم بأن لم يأكل للذة وشهوة وَلا عادٍ: أي غير متعد مقدار الحاجة: أي غير متجاوز الحد المباح له، وهو قدر ما يقع به القوام وتبقى معه الحياة دون ما فيه حصول الشبع، لأن الإباحة للاضطرار. فتقدر بمقدار ما تندفع به الضرورة. فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ أي في الأكل. إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ للذنوب الكبائر، فأنى يؤاخذ بتناول الميتة عند الاضطرار رَحِيمٌ ومن رحمته أنه رخص.
[فوائد]
١ - عند قوله تعالى: كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالًا طَيِّباً يقول الألوسي: (والأمر