المقصود. ولكن المقصود هو هذا مع العناية بضمير الإنسان؛ ليبلغ الإنسان كماله المقدر له في هذه الحياة. فلا ينتكس حيوانا في وسط الحضارة المادية الزاهرة، ولا يهبط إلى الدرك بإنسانيته وهو يرتفع إلى الأوج في استغلال موارد الثروة الظاهرة والمخبوءة.
وفي الطريق لبلوغ ذلك التوازن والتناسق تشيل كفة وترجح كفة. وقد يغلب على الأرض جبارون وظلمة وطغاة. وقد يغلب عليها همج ومتبربرون وغزاة وقد يغلب عليها كفار فجار يحسنون استغلال قوى الأرض وطاقاتها استغلالا ماديا .. ولكن هذه ليست سوى تجارب الطريق. والوراثة الأخيرة هي للعباد الصالحين، الذين يجمعون بين الإيمان والعمل الصالح. فلا يفترق في كيانهم هذان العنصران ولا في حياتهم.
وحيثما اجتمع إيمان القلب ونشاط العمل في أمة فهي الوارثة للأرض في أية فترة من فترات التاريخ. ولكن حين يفترق هذان العنصران فالميزان يتأرجح. وقد تقع الغلبة للآخذين بالوسائل المادية حين يهمل الأخذ بها من يتظاهرون بالإيمان وحين تفرغ قلوب المؤمنين من الإيمان الصحيح الدافع إلى العمل الصالح، وإلى عمارة الأرض والقيام بتكاليف الخلافة التي وكلها الله إلى هذا الإنسان.
وما على أصحاب الإيمان إلا أن يحققوا مدلول إيمانهم، وهو العمل الصالح، والنهوض بتبعات الخلافة ليتحقق وعد الله، وتجري سنته: أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ ... فالمؤمنون العاملون هم العباد الصالحون ... )
[كلمة في السياق]
إن الصلة بين هذه المجموعة وبين محور السورة من سورة البقرة وهو قوله تعالى:
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ* خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ واضحة، فقد رأينا صورة عن العذاب المعد لهؤلاء ورأينا أن من سبقت له العناية لا يدخل تحت هذا الوعيد:
والآن تأتي المجموعة التاسعة وهي مبدوءة ب وَما وهي تكمل الرد على ما زعموه في قولهم هَلْ هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ ... بَلْ قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ بَلِ افْتَراهُ بَلْ هُوَ شاعِرٌ ... لتبين لهم أن محمدا صلى الله عليه وسلم لا كما تصوروا وتوهموا. وسنبدأ عرض المجموعة التاسعة مؤخرين ذكر فوائد المجموعة الثامنة إلى ما بعد عرض المجموعة التاسعة.