وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ أي في غزوة تبوك، أي اتبعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في وقتها، مع ما أحاط الغزوة من عسرة في المال والعتاد، والطقس والقلة، وبعد الطريق، وكثرة العدو وشدة بأسه، فكوفئوا على الاستجابة بتكفير الذنوب، وفي الآية بعث للمؤمنين على التوبة، وسلوك الطريق المؤدي إلى تطهير الذنوب كالجهاد مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ أي عن الثبات على الإيمان أو عن اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم في تلك الغزوة والخروج معه ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ تاب عليهم إذ تابعوا وتاب عليهم إذ رجعوا إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ إذ ثبتهم وإذ تاب عليهم
وَعَلَى الثَّلاثَةِ وهم: كعب بن مالك، ومرارة بن الربيع، وهلال بن أمية، الَّذِينَ خُلِّفُوا أي أرجئوا عن قبول التوبة، وهم الذين قال الله فيهم وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ ... فههنا أعلن الله قبول توبتهم.
حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ أي برحبها أي مع سعتها، وهو مثل لحيرتهم في أمرهم، حتى كأنهم لا يجدون في الأرض مكانا يقرون فيه قلقا وجزعا وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ أي قلوبهم لا يسعها أنس ولا سرور، لأنها حرجت من فرط الوحشة والغم وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ أي وعلموا أن لا ملجأ من سخط الله إلا إلى استغفاره ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ بعد خمسين يوما لِيَتُوبُوا أي ليكونوا من جملة التوابين إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ يقبل التوبة ويرحم أهلها.
قال أبو بكر الوراق: التوبة النصوح أن تضيق على التائب الأرض وتضيق عليه نفسه كتوبة هؤلاء. وهكذا انتهت هذه المجموعة وانتهى المقطع الثاني من القسم الثاني ليأتي المقطع الثالث فيه وهو استمرار لسياق الأمر بالنفير.
[الفوائد]
١ - في سبب نزول قوله تعالى: ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى ... روى الإمام أحمد ... عن علي رضي الله عنه قال: سمعت رجلا يستغفر لأبويه وهما مشركان فقلت: أيستغفر الرجل لأبويه وهما مشركان؟ فقال: أو لم يستغفر إبراهيم لأبيه؟ فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فنزلت: ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ الآية.
٢ - قال عطاء بن أبي رباح: ما كنت لأدع الصلاة على أحد من أهل القبلة ولو كانت حبشية حبلى من الزنا، لأني لم أسمع الله حجب الصلاة إلا عن المشركين، يقول الله عزّ وجل: ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ الآية: