أقول: قد مر النهي عن الصلاة على المنافقين فإذا كان مراده بالصلاة الاستغفار للحي فالأمر واسع.
٣ - وقد فسر الأواه في قوله تعالى عن إبراهيم إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ بتفسيرات شتى: قال ابن جرير: وأولى الأقوال من قال: (إنه الدعاء وهو المناسب للسياق ... ) ولنذكر هذه النصوص بهذه المناسبة لعل الله يحققنا بما فيها: روى الإمام أحمد عن عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل يقال له ذو النجادين: «إنه أواه» وذلك أنه رجل كان إذا ذكر الله في القرآن رفع صوته بالدعاء. ورواه ابن جرير. وقال سعيد بن جبير والشعبي:«الأواه المسبح» وقال ابن وهب ... عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال:«لا يحافظ على سبحة الضحى إلا الأواه» قال شفي بن ماتع عن أبي أيوب: «الأواه الذي إذا ذكر خطاياه استغفر منها» وعن مجاهد: «الأواه الحفيظ الرجل يذنب الذنب سرا ثم يتوب منه سرا» ذكر ذلك كله ابن أبي حاتم رحمه الله. وروى ابن جرير ... عن الحسن بن مسلم بن بيان أن رجلا كان يكثر ذكر الله ويسبح، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال:«إنه أواه». وروى ابن جرير ... عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم دفن ميتا فقال:«رحمك الله إن كنت لأواها» يعني تلاء للقرآن.
٤ - وفي سبب نزول قوله تعالى: لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ ... قال مجاهد وغير واحد: نزلت هذه الآية في غزوة تبوك، وذلك أنهم خرجوا إليها في شدة من الأمر في سنة مجدبة، وحر شديد، وعسر من الزاد والماء. قال قتادة: خرجوا إلى الشام عام تبوك في لهبان الحر، على ما يعلم الله من الجهد، أصابهم فيها جهد شديد، حتى لقد ذكر لنا أن الرجلين كانا يشقان التمرة بينهما، وكان النفر يتداولون التمرة بينهم، يمصها هذا ثم يشرب عليها، ثم يمصها هذا ثم يشرب عليها، فتاب الله عليهم. وأقفلهم من غزوتهم.
وبمناسبة ذكر في العسرة في الآية ذكر ابن جرير ... عن ابن عباس أنه قيل لعمر بن الخطاب في شأن العسرة، فقال عمر بن الخطاب: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك في قيظ شديد، فنزلنا منزلا، فأصابنا عطش حتى ظننا أن رقابنا ستنقطع، وحتى إن كان الرجل ليذهب يلتمس الماء فلا يرجع حتى يظن أن رقبته ستنقطع، وحتى إن الرجل لينحر بعيره فيعصر فرثه فيشربه ويجعل ما بقي على كبده، فقال أبو بكر الصديق: يا رسول الله إن الله عزّ وجل قد عودك في الدعاء خيرا