وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا فالله يبغضهم أشد البغض، والمؤمنون أيضا يبغضون من تكون هذه صفته كَذلِكَ أي: مثل هذا الطبع يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ على الحق جَبَّارٍ على خلق الله، وإنما وصف القلب بالتكبر والتجبر لأنه منبعهما. وقد بيّنت الآية أنّ الطبع على القلب إنّما يستحقّه من اتّصف بالكبرياء والجبروت، ويبدو أنّه على أثر هذا الدفاع الحارّ عن موسى عليه السلام، وعلى أثر هذا الوعظ الشديد، أقلع فرعون عن قتل موسى، فخاطب وزيره من أجل أن يبني له صرحا يطّلع إلى إله موسى عليه السلام، وبذلك أشعر بصرف النظر، وأراد أن يغطي ذلك بهذا الطلب دون أن يعترف أنه كان مخطئا في تفكيره في قتل موسى عليه السلام، ودون أن يعلن انصرافه عن هذا القتل
وَقالَ فِرْعَوْنُ جهلا، أو تمويها، أو تغطية، أو انصرافا عما كان فيه، أو إنهاء لكلام مؤمن آل فرعون يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً أي: قصرا عاليا منيفا شاهقا. قال النسفي: وقيل الصرح: البناء الظاهر الذي لا يخفى على الناظر وإن بعد لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ
أَسْبابَ السَّماواتِ أي: طرقها وأبوابها، وما يؤدي إليها، إذ كل ما أدّاك إلى شئ فهو سبب فَأَطَّلِعَ إِلى إِلهِ مُوسى أي: فأنظر إليه وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ أي: موسى عليه السلام كاذِباً في قوله له إله غيري، أو في وجود إله غيري وَكَذلِكَ أي: ومثل ذلك التزيين وذلك الصدّ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ المستقيم وَما كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبابٍ أي: في خسران وهلاك.
كلمة في السياق:[حول قضية الختم على القلب وسببه، وأهمية الإنذار، وإبراز وحدة السورة]
١ - يلاحظ أنه ورد في أول السورة قوله تعالى: ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ وأنه ورد على لسان مؤمن آل فرعون هنا قوله: الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ وفي ذلك دليل على أن قصة موسى عليه السلام وما ورد فيها تمثيل واقعي للمعاني التي ذكرت من قبل في السورة، كما أن في الآية دليلا على أنّ علامة الطبع على القلب الجدال في آيات الله. وبإدراكنا لهذه القضية ندرك مفتاح السورة، ونعرف محورها إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ* خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ فالختم على القلب سببه الجدال في آيات الله، وهي علامته. ومن ثم فإن