للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تعليق صاحب الظلال على أسباب نزول الآيات السابقة]

ومن أسباب النزول هذه ندرك معنى إسلاميا عظيما يغيب عن كثير من النّاس إذ يبيعون المستضعفين بالأغنياء، والعاديين بالأذكياء، والمغمورين بأصحاب الجاه وفي هذا المقام يقول صاحب الظلال:

«نحن في حاجة إلى وقفة طويلة أمام هذه النصوص .. والبشرية بجملتها في حاجة إلى هذه الوقفة كذلك إن هذه النصوص لا تمثل مجرد مبادئ وقيم ونظريات في «حقوق الإنسان»! .. إنها أكبر من ذلك بكثير .. إنها تمثل شيئا هائلا تحقق في حياة البشرية فعلا .. تمثل نقلة واسعة نقلها هذا الدين للبشرية بجملتها .. تمثل خطا وضيئا على الأفق بلغته هذه البشرية ذات يوم في حياتها الحقيقية .. ومهما يكن من تراجع البشرية عن هذا الخط الوضيء الذي صعدت إليه في خطو ثابت على حداء هذا الدين، فإن هذا لا يقلل من عظمة تلك النقلة؛ ومن ضخامة هذا الشئ الذي تحقق يوما؛ ومن أهمية هذا الخط الذى ارتسم بالفعل في حياة البشر الواقعية .. إن قيمة ارتسام هذا الخط وبلوغه ذات يوم؛ أن تحاول البشرية مرة ومرة ومرة الارتفاع إليه، ما دام أنها قد بلغته، فهو في طوقها إذن وفي وسعها .. والخط هناك على الأفق، والبشرية هي البشرية، وهذا الدين هو هذا الدين .. فلا يبقى إلا العزم والثقة واليقين ..

وقيمة هذه النصوص أنها ترسم للبشرية اليوم ذلك الخط الصاعد بكل نقطه ومراحله .. من سفح الجاهلية الذي التقط الإسلام منه العرب، إلى القمة السامقة التي بلغ بهم إليها، وأطلقتهم في الأرض يأخذون بيد البشرية من ذلك السفح نفسه إلى تلك القمة التي بلغوها!

فأما ذلك السفح الهابط الذي كان فيه العرب في جاهليتهم- وكانت فيه البشرية كلها- فهو يتمثل واضحا في قولة «الملأ» من قريش: «يا محمد، رضيت بهؤلاء من قومك؟ أ

هؤلاء الذين منّ الله عليهم من بيننا؟ أنحن نكون تبعا لهؤلاء؟ اطردهم عنك! فلعلك إن طردتهم أن نتبعك!» .. أو في احتقار الأقرع بن حابس التميمي، وعيينة بن حصن الفزاري، للسابقين من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بلال، وصهيب، وعمار، وخباب، وأمثالهم من الضعفاء؛ وقولهما للنبي صلّى الله عليه وسلّم: إنا نحب أن تجعل لنا منك مجلسا تعرف لنا العرب به فضلنا فإن وفود العرب تأتيك، فنستحيي أن ترانا العرب مع هؤلاء الأعبد!».

.. هنا تتبدى الجاهلية بوجهها الكالح وقيمها الهزيلة، واعتباراتها الصغيرة .. عصبية

<<  <  ج: ص:  >  >>