النسب والجنس واعتبارات المال والطبقة .. وما إلى ذلك من اعتبارات. هؤلاء بعضهم ليسوا من العرب! وبعضهم ليسوا من طبقة الأشراف! وبعضهم ليسوا من ذوي الثراء! .. ذات القيم التي تروج في كل جاهلية؛ والتي لا ترتفع عليها جاهليات الأرض اليوم في نعراتها القومية والجنسية والطبقية!
هذا هو سفح الجاهلية .. وعلى القمة السامقة الإسلام! الذي لا يقيم وزنا لهذه القيم الهزيلة ولهذه الاعتبارات الصغيرة، ولهذه النعرات السخيفة! .. الإسلام الذي نزل من السماء ولم ينبت من الأرض. فالأرض كانت هي هذا السفح .. هذا السفح الذي لا يمكن أن ينبت هذه النبتة الغريبة الجديدة الكريمة .. الإسلام الذي يأتمر به- أول من يأتمر- محمد صلّى الله عليه وسلّم محمد رسول الله الذي يأتيه الوحي من السماء، والذي هو من قبل في الذؤابة من بني هاشم في الذروة من قريش .. والذي يأتمر به أبو بكر صاحب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في شأن «هؤلاء الأعبد» .. نعم هؤلاء الأعبد الذين خلعوا عبودية كل أحد؛ وصاروا أعبد الله وحده فكان من أمرهم ما كان!
وكما أن سفح الجاهلية الهابط يرتسم في كلمات الملأ من قريش، وفي مشاعر الأقرع وعيينة، فإن قمة الإسلام السامقة ترتسم في أمر الله العلي الكبير، لرسوله صلّى الله عليه وسلّم:
ويتمثل في سلوك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مع «هؤلاء الأعبد» .. الذين أمره ربهم أن يبدأهم بالسلام وأن يصبر معهم فلا يقوم حتى يقوموا، وهو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم- وهو بعد ذلك- رسول الله وخير خلق الله، وأعظم من شرفت بهم الحياة!
ثم يتمثل في نظرة «هؤلاء الأعبد» لمكانهم عند الله؛ ونظرتهم لسيوفهم واعتبارها «سيوف الله» ونظرتهم لأبي سفيان «شيخ قريش وسيدهم» بعد أن أخّره في الصف المسلم كونه من الطلقاء الذين أسلموا عام الفتح وذهبوا طلقاء عفو رسول الله صلّى الله عليه وسلّم