أبو بكر البرقاني عن جعفر قال: سمعت أبا عمران الجوني يقول: مر عمر بن الخطاب رضي الله عنه بدار راهب، قال: ناداه: يا راهب، فأشرف، قال: فجعل عمر ينظر إليه ويبكي فقيل له: يا أمير المؤمنين ما يبكيك من هذا؟ قال: ذكرت قول الله عزّ وجل في كتابه عامِلَةٌ ناصِبَةٌ* تَصْلى ناراً حامِيَةً فذاك الذي أبكاني. وقال البخاري: قال ابن عباس عامِلَةٌ ناصِبَةٌ: النصارى) أقول: تخصيصها بالنصارى ذكر لبعض ما يدخل فيها فكل عاملة ناصبة في زعمها بعبادتها لله دون أن تكون عبادتها صحيحة منبثقة عن عقيدة صحيحة فإنها تدخل في الآية.
تَصْلى ناراً حامِيَةً أي: حارة شديدة الحر. قال النسفي:(أي: تدخل نارا قد أحميت مددا طويلة. فلا حر يعدل حرها). أقول: هذا جزاؤها مع ما عملت من الصوم الدائب والتهجد الواصب، فليعرف من لم يعرف أنه لا بد من الاعتقاد الصحيح
تُسْقى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ أي: من عين ماء قد انتهى حرها وغليانها
لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ قال سعيد بن جبير: هو الزقوم. أقول: وعلى هذا القول فمن خصائص الزقوم أنها تشبه الضريع، وهو نبت يقال له الشبرق فإذا يبس فهو ضريع وهو سم قاتل. قال عكرمة في وصف ضريع الدنيا: وهو شجرة ذات شوك لاطئة بالأرض، وعلى هذا الاتجاه يكون الزقوم والغسلين والضريع شيئا واحدا، أما إذا كان المراد بالزقوم والغسلين والضريع أشياء مختلفة فإن المسألة كما قال النسفي:(والعذاب ألوان، والمعذبون طبقات فمنهم أكلة الزقوم، ومنهم أكلة الغسلين، ومنهم أكلة الضريع، فلا تناقض بين هذه الآية وبين قوله ولا طعام إلا من غسلين) وعلى هذا فضلال العباد طعامهم الوحيد الضريع، والخاطئون طعامهم الوحيد الغسلين، والآثمون طعامهم الوحيد الزقوم- والله أعلم. قال سعيد عن قتادة في الآية: أي: ليس لهم طعام إلا من شر الطعام وأبشعه وأخبثه
لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ قال النسفي:(أي: منفعتا الغذاء منتفيتان عنه، وهي إماطة الجوع، وإفادة السمن في البدن) وقال ابن كثير: يعني لا يحصل به مقصود، ولا
يندفع به محذور.
[كلمة في السياق]
وهكذا رأينا عذاب العابدين العاملين الكافرين: ذل ونار، وماء حار وضريع، فالله عزّ وجل إذ أمر بالعبادة والتقوى إنما أمر بعبادته وحده، وتقواه وحده على شريعته