جولة من السورة، ذكرت ثلاثة أركان، وبناء. وفي جولة أخرى ذكر ركنان، وبناء. ليتضح الإسلام كله شيئا فشيئا، ولتتضح التقوى شيئا فشيئا بطريق مدهش متشابك لا يشبه طرق البشر في الشرح والعرض؛ وبطريق مرب، لا يشبه طرق البشر في التربية. وذلك أن هذا الإسلام مشروح في الكتاب والسنة، وهو واسع كبير لم يترك شاردة ولا واردة إلا وقد بين حكم الله فيها. وما يطالب به كل مسلم من هذا الإسلام يختلف باختلاف استعداده ومسئولياته. والذي يطالب به كل مسلم هو أن يكون تقيا باطنا وظاهرا، حقيقة وسلوكا.
وإذا كان من أهداف القرآن البيان، فمن أهدافه إيصال المؤمن إلى التقوى. وهذه الطريقة التي رأيناها في سورة البقرة تجمع بين البيان والعرض. وبين التربية التي تخلص من الشوائب. فإذا جاءت الآية فإنها تأتي بعد أن يكون ما قبلها مهد لها نفسيا وعقليا.
ويأتي ما بعدها يغذيها ويقويها. إن أرض نفسك تفلحها آية، وتبذر بها آية، وتسقيها آية. فإذا كانت أرض نفسك صالحة، ظهر الثمر.
إن هذا القرآن عجيب، مدهش، لا يشبهه شئ من كتب البشر. ومع ذلك يكفر به كثيرون مما يدل على أن العلة في الإنسان.
ومن مظاهر ارتباط هذه الفقرة بالسياق العام، ما نلاحظ من أن الجولة الأولى من السياق ابتدأت بالأركان الثلاثة التي تلازم الإنسان كالإيمان، والصلاة، والإنفاق، ثم جاء الصوم وهو طريق سنوي لتحقيق التقوى، ثم جاء الحج، وهو ركن العمر، ولا شك أنه طريق من طرق التقوى. فكما أن في الصوم يعتاد الإنسان على التقوى من حيث إن بالصوم يكف الإنسان في فترة معينة عن أعتى شهواته. وبالتالي يعتاد على ضبطها. فكذلك بالحج يعتاد على الاستسلام لله في كل أمر. ويعتاد على تعظيم الله.
وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللَّهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (سورة الحج:) وبالصلاة اليومية، وبالإنفاق اليومي والسنوي، وبالصوم السنوي، والنافلة، وبالحج العمري، وبالاتباع الكامل لكتاب الله، وبالعبادة، وبالجهد الفردي، وبعمل الدولة المسلمة تقوم التقوى في المجتمع الإسلامي على مستوى الفرد، وعلى مستوى المجتمع، وعلى مستوى الدولة.
[المعنى الحرفي لآيات الفقرة]
وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ: أي وأدوهما تامين شرائطهما، وفرائضهما لوجه