فمن المحال أن يكون كتاب فيه مثل هذا التذكير بالله ورسله واليوم الآخر والحق على مثل هذا الكمال ويكون بشري المصدر.
٣ - في تفسير القوم في الآية ثلاثة أقوال. فقول أنهم «قريش» بدليل إيراد الترمذي: في هذا المقام الحديث الذي رواه البخاري عن معاوية عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم:
«إن هذا الأمر في قريش لا ينازعهم فيه أحد إلا أكبه الله على وجهه ما أقاموا الدين».
وقول أنهم العرب؛ لأنهم قومه عليه الصلاة والسلام، ولسانه لسانهم. وقول أنهم الأمة أي: أمة الاستجابة. كما فسّر ذلك النسفي فقال: وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ (أي: ولأمتك) أي: كل من استجاب لهذا القرآن فقد ناله الشرف العظيم عند الله، وأيّا ما كان الأمر فإن الصلة ما بين الآيتين والمحور واضحة، وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا من هذا القرآن الذي هو شرف لكم يا معشر قريش أو يا معشر العرب أو يا أيها الناس. إذ يخاطبكم الله أو الذي هو تذكير لكم بالحق كله. والذي سوف تسألون عنه والذي مضمونه الحق الذي هو دعوة الرسل جميعا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ... فالصلة واضحة بين الآيتين ومحور السورة.
٤ - يلاحظ أن الله عزّ وجل يقص علينا بعد مقدمة المقطع الثاني من نبأ موسى وفرعون، وصلة ذلك بقوله تعالى: وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا ..
واضحة، فالله عزّ وجل يقصّ علينا من نبأ هؤلاء المرسلين ليرينا أن دعوة الرسل السابقين جميعا هي دعوة هذا القرآن في التوحيد. وفي ذلك دليل من خلال المضمون على أن هذا القرآن من عند الله.
وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا الكثيرة إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ من الأمراء والوزراء والقادة والأتباع والعامة فَقالَ موسى إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ أي: رسول الله إليكم، ومن السياق نفهم أنهم طالبوه بإحضار البيّنة على دعواه، وإبراز الآية؛ بدليل قوله تعالى
وَما نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِها أي: أعظم من صاحبتها، أي: أعظم من التي كانت قبلها في نقض العادة، والمراد بهذا الكلام: أنهن جميعا موصوفات بالكبر وَأَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ كالطوفان