الشهر الذي يؤدى فيه الحج، وهو ذو الحجة لأنه مختص من بين الأشهر بإقامة موسم الحج، فاقتضى ذلك اختصاصه بأحكام خاصة منفعة ومصلحة للناس، ويحتمل أن يكون المراد بالشهر الحرام جنس الأشهر الحرم فيكون المراد رجب وذو القعدة وذو الحجة والمحرم وَالْهَدْيَ. أي: ما يهدى إلى مكة وَالْقَلائِدَ وهي البدن التي تقلّد كرمز على أنها هدي إلى الحرم، وخصّت بالذكر وهي من الهدي لأنّ الثواب فيها أكثر وبهاء الحج معها أظهر ذلِكَ إشارة إلى جعل الكعبة والشهر الحرام والهدي والقلائد قياما للناس وما خصت به لذلك من أحكام لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ. أي: لتعلموا أن الله يعلم مصالح ما في السموات وما في الأرض ويملك كل ما فيهما، فيحكم ويشرع ويأمر ويحظر بعلم وحكمة، وكيف لا وهو بكل شئ عليم
اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ. أي: لمن استخفّ بأحكامه، ولمن استخف بالحرم والإحرام وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ومن مغفرته ورحمته أن يغفر آثام من عظّم المشاعر الحرام
ما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ هذا تشديد في إيجاب القيام بما أمر به، وأنّ الرسول قد فرغ مما وجب عليه من التبليغ، وقامت عليكم الحجة، ولزمتكم الطاعة، فلا عذر لكم في التفريط وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما تَكْتُمُونَ فلا يخفى عليه نفاقكم أو وفاقكم
قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ لمّا أخبر أنه يعلم ما يبدون وما يكتمون ذكر أنه لا يستوي عنده خبيثهم وطيبهم، بل يميّز بينهما فيعاقب الخبيث أي الكافر، ويثيب الطّيب أي المسلم، ولا يستوي عنده الحلال والحرام، ولا صالح العمل وطالحه، ولا جيّد النّاس ورديئهم وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ سواء كان رجالا أو مالا أو أعمالا
فَاتَّقُوا اللَّهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ
بإيثار الطيّب وإن قلّ، على الخبيث وإن كثر لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ دلّ هذا على أن الفلاح مقرون بإيثار ما يحبه الله.
[ملاحظات حول السياق]
١ - بدأت سورة المائدة بقوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ ما يُرِيدُ* يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلائِدَ.
وقد جاءت الفقرة الأولى من هذا المقطع تنهى عن تحريم ما أحل الله، وجاءت الفقرة