الحكمة الثالثة: مجابهة شبه الكافرين شبهة شبهة وحجة حجة.
ثم قال تعالى: الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلى وُجُوهِهِمْ إِلى جَهَنَّمَ أُوْلئِكَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضَلُّ سَبِيلًا قال النسفي: والمعنى: (أن حاملكم على هذه السؤالات أنكم تضللون سبيله، وتحتقرون مكانه ومنزلته، ولو نظرتم بعين الإنصاف وأنتم من المسحوبين على وجوههم إلى جهنم لعلمتم أن مكانكم شر من مكانه، وسبيلكم أضل من سبيله).
وهكذا بدأ المقطع بعرض الشبهة ثم رد عليها، ثم أنذر وحذر أهلها.
[كلمة في السياق]
النذير والقرآن هما الموضوعان اللذان تدور حولهما السورة، رأينا ذلك في المقدمة، وفي المقطع الأول. ورأينا في المجموعة الأولى من المقطع الثاني شبهة حول القرآن، وردا عليها، وإنذارا لأهلها، والآن تأتي مجموعة فيها أمثلة وقصص تخدم سياق السورة بما ينسجم مع سياق المقطع، وبما ينسجم مع محور السورة فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ.
[تفسير المجموعة الثانية]
وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ أي التوراة كما آتيناك القرآن، فلست بدعا من الرسل، وليس إنزال الكتاب عليك بدعا من الإنزال وَجَعَلْنا مَعَهُ أَخاهُ هارُونَ وَزِيراً أي نبيا مؤازرا، ومؤيدا وناصرا وهو بشر، ولم نجعل له وزيرا من الملائكة كما تتوهمون. قال النسفي: والوزارة لا تنافي النبوة، فقد كان يبعث في الزمن الواحد أنبياء،
ويؤمرون أن يؤازر بعضهم بعضا
فَقُلْنَا اذْهَبا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا أي فرعون وقومه، كما أرسلناك يا محمد للناس جميعا، وقد كفروا وأشركوا، وحرفوا وبدلوا، وكذبوا فَدَمَّرْناهُمْ تَدْمِيراً أي أهلكناهم إهلاكا عجيبا. إذ التدمير هو الإهلاك بأمر عجيب، وكما دمر الله فرعون وقومه لتكذيبهم، كذلك دمر قوم نوح وعادا وثمود وأصحاب الرس وغيرهم؛ لتكذيبهم، فليحذر هؤلاء أن يصيبهم ما أصاب أولئك
وَقَوْمَ نُوحٍ أي ودمرنا قوم نوح لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْناهُمْ بالطوفان بسبب التكذيب وَجَعَلْناهُمْ أي وجعلنا إغراقهم أو قصتهم