الآية الأولى في الفقرة، الآية التي رفعت القلب البشري إلى أعلى درجات الاستعداد للتلقي والتذكر والاتعاظ.
[تفسير المجموعة الأولى من الفقرة الثانية]
اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها فهو وحده المحيي، وعليكم أن تعلموا ذلك، وأن تتذكروه قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ قال النسفي:
قيل هذا تمثيل لأثر الذكر في القلوب، وأنه يحييها كما يحيي الغيث الأرض، وقال ابن كثير:(فيه إشارة إلى أن الله تعالى يلين القلوب بعد قسوتها، ويهدي الحيارى بعد ضلتها، ويفرج الكروب بعد شدتها، فكما يحيي الأرض الميتة المجدبة الهامدة بالغيث الهتان الوابل، كذلك يهدي القلوب القاسية ببراهين القرآن والدلائل، ويولج إليها النور بعد أن كانت مقفلة لا يصل إليها الواصل، فسبحان الهادي لمن يشاء بعد الضلال، والمضل لمن أراد بعد الكمال، الذي هو لما يشاء فعال، وهو الحكيم العدل في جميع الفعال، اللطيف الخبير الكبير المتعال).
أقول: إن التذكير بهذا المعنى بعد الآية الأولى يشير إلى أن الإنسان عليه ألا ييأس إن كان قلبه قاسيا وكان فاسقا، بل يقبل على الله، والله يحيي قلبه، وفي الآية توجيه للدعاة إلى الله أن يذكروا، والله عزّ وجل يحيي موات القلوب كما يحيي الأرض بعد موتها، وبعد أن ذكر الله عزّ وجل بهذه الحقيقة أعاد التذكير بموضوع الإنفاق، وموضوع الإيمان بالله ورسله مما يشير إلى أهمية هذه الأمور ابتداء وانتهاء، ومحلها في قضية الاهتداء بكتاب الله والخشوع له، ومحلها في قضية إحياء القلوب
إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ أي: المتصدقين وَالْمُصَّدِّقاتِ أي: المتصدقات وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً. قال ابن كثير: أي: دفعوه بنية خالصة ابتغاء مرضاة الله، لا يريدون جزاء ممن
أعطوه ولا شكورا. وقال النسفي:(والقرض الحسن أن يتصدق من الطيب عن طيبة النفس وصحة النية على المستحق للصدقة). يُضاعَفُ لَهُمْ قال ابن كثير: أي: يقابل لهم الحسنة بعشر أمثالها، ويزاد على ذلك إلى سبعمائة ضعف، وفوق ذلك وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ قال ابن كثير: أي: ثواب جزيل حسن، ومرجع صالح، ومآب كريم. قال النسفي: أي: الجنة.
وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ قال النسفي: يريد أن المؤمنين بالله ورسله هم عند الله بمنزلة الصديقين والشهداء، وهم الذين سبقوا إلى التصديق واستشهدوا في