للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ أي إنه تعالى ذو عفو وصفح وستر للناس، مع أنهم يظلمون ويخطئون بالليل والنهار، وهذا سر عدم إيقاع ما رغبوا به من الاستعجال بالعقوبة وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقابِ ومن ثم فإنه لا يفوته هارب ولا مسئ، فهو يمهل ولا يهمل.

[الموقف الثالث]

وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فهم لا يكتفون بالآيات المنزلة على رسول الله صلى الله عليه وسلم عنادا مع كثرتها، وكفى بهذا القرآن معجزة تضمنت

معجزات لا تنتهي، ومن ثم قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم في مقابلة اقتراحاتهم المتعنتة إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ أي أنت رجل أرسلت منذرا مخوفا لهم من سوء العاقبة، وناصحا كغيرك من الرسل، وما عليك إلا الإتيان بما يصح به أنك رسول منذر، وصحة ذلك حاصلة بأي آية كانت، والآيات كلها سواء في حصول صحة الرسالة بها وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ أي من الأنبياء يهديهم إلى الدين ويدعوهم إلى الله بآية خص بها، لا بما يريدون، فلست بدعا من الرسل، إذن فكما أن كل أمة أرسل لها رسول فأنت رسول لهذه الأمة، ويحتمل أن يكون المراد بالهادي في الآية (الله عزّ وجل) فهو الذي يهدي من يستحق الهداية، وإنما مهمة الرسول صلى الله عليه وسلم الإنذار، فهؤلاء الذين لم يؤمنوا ويقترحوا الآيات، عليك إنذارهم، والله هو الهادي من يستحق الهداية، وهؤلاء لا يستحقون الهداية، وهذا الاتجاه الثاني في التفسير هو الذي نرجحه لانسجامه مع محور المقطع في سورة البقرة كما سنرى.

[فوائد]

١ - في كتابنا عن الرسول صلى الله عليه وسلم أثناء الكلام عن المعراج قلنا إن السماء في القرآن تطلق ويراد بها مطلق العلو، وتطلق ويراد بها الكون مما سوى الأرض، وتطلق ويراد بها السموات السبع التي سقفها عرش الرحمن، وفي سورة البقرة عند قوله تعالى هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ ... رجحنا أن المجرات والنجوم قد خلقت قبل الأرض، وأن الأرض قد خلقت قبل السموات السبع التي هي غيبية- على الأكثر- وفي سورة هود بينا أن أول مخلوق هو العرش ثم الماء، وهاهنا في سورة الرعد بمناسبة قوله تعالى: اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها نرجح أن المراد في السموات هنا ليست السموات السبع الغيبية التي نؤمن بها غيبا، ولكن المراد بها ما سوى الأرض بقرينة تَرَوْنَها فنحن لا

<<  <  ج: ص:  >  >>