التي سنستعرضها الآن كلام عن خلق الإنسان، وما أنعم عليه، لتقام الحجة على الكافرين من خلال ذلك، لاحظ صلة ذلك بقوله تعالى: كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ. هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ وقد رأينا مقدمة المجموعة الثانية نَحْنُ خَلَقْناكُمْ فَلَوْلا تُصَدِّقُونَ.
[الحجة الأولى]
أَفَرَأَيْتُمْ ما تُمْنُونَ أي: ما تمنونه، أي ما تقذفونه في الأرحام من النطف
أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخالِقُونَ أأنتم تخلقونه من الغذاء، أم نحن نخلقه من ذلك، أو المعنى: أأنتم تقرونه في الأرحام، وتخلقونه فيها، وتقدرونه وتصورونه وتجعلونه بشرا سويا، أم الله الخالق لذلك، فإذ لم يكونوا هم الخالقين، لم يبق إلا أن يكون الله هو الخالق، أما أن تكون المصادفة هي الفاعلة، فذلك لا يقوله عاقل يعرف حدود نظرية الاحتمالات رياضيا، لاحظ صلة النص بقوله تعالى في المحور: وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثم لاحظ صلة ما يأتي بقوله تعالى في المحور ثُمَّ يُمِيتُكُمْ
نَحْنُ قَدَّرْنا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ تقديرا وقسمناه عليكم قسمة الأرزاق على اختلاف وتفاوت، كما تقتضيه مشيئتنا فاختلفت أعماركم من قصير وطويل ومتوسط وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ أي: وما نحن بعاجزين
عَلى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثالَكُمْ قال ابن كثير: أي نغير خلقكم يوم القيامة وَنُنْشِئَكُمْ فِي ما لا تَعْلَمُونَ قال ابن كثير: أي من الصفات والأحوال. قال النسفي:(يعني أنا نقدر على الأمرين جميعا على خلق ما يماثلكم وما لا يماثلكم فكيف نعجز عن إعادتكم)
وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولى أي: قد علمتم أن الله أنشأكم بعد أن لم تكونوا شيئا مذكورا، فخلقكم وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة فَلَوْلا تَذَكَّرُونَ أن من قدر على شئ مرة لم يمتنع عليه ثانيا. قال ابن كثير:(أي فهلا تتذكرون وتعرفون أن الذي قدر على هذه النشأة- وهي البداءة- قادر على النشأة الأخرى وهي الإعادة بطريق الأولى والأحرى).
أقول: بإجماع الدارسين لظاهرة الحياة، وبإجماع علماء المستحاثات فإن الحياة على الأرض بدأت قبل الإنسان، وإذن فقد كانت حياة ولا إنسان، ويمكن بالنسبة لقدرة الله أن تكون مرة ثانية حياة ولا إنسان، وعلى ضوء ذلك فإن الآيات يمكن أن تفهم فهما جديدا وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ عَلى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثالَكُمْ فنهلككم ولا يكون بشر وَنُنْشِئَكُمْ فِي ما لا تَعْلَمُونَ بحيث تكون مخلوقات أخرى من ذراتكم نفسها وَلَقَدْ