أقام الله الحجة على المكذبين هاهنا بتبيانه أنه لا صلة لهم بأمر الغيب حتى يكذبوا، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يطلب منهم أجرا حتى يستثقلوا الإيمان، وبهذا استكملت السورة نقاش المكذبين، فأقامت الحجة على أن محمدا رسول الله، وعلى أنهم يستأهلون العذاب، وعلى أنه لا مبرر لهم في عدم الإيمان، وإذ قامت الحجة عليهم يأتي الآن أمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالصبر.
...
فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وهو إمهالهم وتأخير نصرتك عليهم، لأنهم أمهلوا ولم يهملوا وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ أي: يونس- عليه السلام- حين ذهب مغاضبا على قومه دون إذن من ربه، فصار المعنى: فاصبر لحكمة ربك، ولا تتصرف تصرفا إلا بإذن منا؛ أن يصيبك ما أصاب يونس عليه السلام، إذ عوقب إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ أي: مغموم مكروب
لَوْلا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ أي: رحمة من الله. أي: لولا أن الله أنعم عليه بإجابة دعائه وقبول عذره لَنُبِذَ من بطن الحوت بِالْعَراءِ بالفضاء وَهُوَ مَذْمُومٌ أي: معاتب بزلته، لكنه رحم فنبذ غير مذموم
وهكذا أدب الله رسوله صلى الله عليه وسلم آمرا إياه أن يصبر على أذى المكذبين، وألا يتصرف تصرفا إلا بإذن، وإلا استحق عقابا كالعقاب الذي نزل بيونس عليه السلام، وحتى لا يتوهم متوهم في شأن يونس فقد ذكر الله من كمالاته وتكميل الله إياه في المحنة وبعد المحنة، ثم في سياق الأمر بالصبر يذكر الله عزّ وجل موقفين للكافرين يقتضيان صبرا.
...
وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ أي: قارب الكفار من شدة نظرهم إليك شزرا بعيون العداوة أن يزيلوك بأبصارهم عن مكانك، أو يهلكوك لشدة