للذي في بطن مريم، أي يعظمه ويخضع له، فإن السجود كان في ملتهم عند السلام مشروعا، كما سجد ليوسف أبواه وإخوته، وكما أمر الله الملائكة أن يسجدوا لآدم عليه السلام، ولكن حرم في ملتنا هذه تكميلا لتعظيم جلال الرب تعالى، روى ابن أبي حاتم عن علي بن الحسين قال: قرئ على الحارث بن مسكين وأنا أسمع أخبرنا عبد الرحمن ابن القاسم قال: قال مالك رحمه الله: بلغني أن عيسى بن مريم ويحيى بن زكريا عليهما السلام ابنا خالة، وكان حملهما جميعا معا، فبلغني أن أم يحيى قالت لمريم إني أرى أن ما بطني يسجد لما في بطنك» قال مالك: أرى ذلك لتفضيل عيسى عليه السلام لأن الله جعله يحيي الموتى ويبرئ الأكمه والأبرص.
أقول: في إنجيل لوقا الإصحاح الأول: «فلما سمعت اليصابات (زوجة زكريا) سلام مريم ارتكض الجنين في بطنها، وامتلأت اليصابات من الروح القدس، وصرخت بصوت عظيم وقالت: مباركة أنت في النساء وهي- مباركة ثمرة بطنك ... فهو ذا حين صار صوت سلامك في أذني ارتكض الجنين بابتهاج في بطني، فطوبى للتي آمنت أن يتم ما قيل لها من قبل الرب».
٥ - [أقوال المفسرين حول مدة حمل مريم وولادتها لعيسى عليهما السلام]
هناك خلاف بين المفسرين حول مدة حمل مريم بعيسى عليه السلام هل كان الحمل والولادة في زمن قصير أو هو حمل عادي؟ قال ابن كثير:«فالمشهور الظاهر- والله على كل شئ قدير- أنها حملت به كما تحمل النساء بأولادهن، ولهذا لما ظهرت مخايل الحمل بها، وكان معها في المسجد رجل صالح من قرابتها يخدم معها البيت المقدس، يقال له يوسف النجار، فلما رأى ثقل بطنها وكبره أنكر ذلك من أمرها ثم صرفه ما يعلم من براءتها ونزاهتها ودينها وعبادتها، ثم تأمّل ما هي فيه، فجعل أمرها يجوس في فكره لا يستطيع صرفه عن نفسه، فحمل نفسه على أن عرّض لها في القول فقال: يا مريم إني سائلك عن أمر فلا تعجلي عليّ. قالت: وما هو؟ قال: هل يكون قط شجر من غير حب؟ وهل يكون زرع من غير بذر؟ وهل يكون ولد من غير أب؟
فقالت: نعم وفهمت ما أشار إليه، أما قولك: هل يكون شجر من غير حب، وزرع من غير بذر فإن الله قد خلق الشجر والزرع أول ما خلقهما من غير حب ولا بذر، وهل يكون ولد من غير أب، فإن الله تعالى قد خلق آدم من غير أب ولا أم فصدّقها وسلم لها حالها. ولما استشعرت من قومها اتهامها بالريبة، انتبذت منهم مكانا قصيا».
أقول: وفي إنجيل متى في الإصحاح الأول: «لما كانت مريم أمة مخطوبة ليوسف قبل