للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شريعة الله- فلا يضغط عليه الواقع لينحرف بتصوراته ومناهجه كذلك. والعقل بمصاحبة وحي الله وهداه بصير، وبترك وحي الله وهداه أعمى».

فائدة: [كلام صاحب الظلال عن آية ... وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ .. ]

بمناسبة قوله تعالى آمرا رسوله صلّى الله عليه وسلّم أن يقول: وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ يقول صاحب الظلال: «ولقد شاعت في الجاهليات المتنوعة صور من «النبوءات» الزائفة، يدّعيها «متنبئون» ويصدقها مخدوعون .. ومن بينها نبوءات السحر والكهانة والتنجيم والجنون! حيث يدعي المتنبئون قدرتهم على العلم بالغيب، والاتصال بالجن والأرواح، وتسخير نواميس الطبيعة بالرقى، والتعاويذ، أو بالدعوات والصلوات، أو بغيرها من الوسائل والأساليب. وتتفق كلها في الوهم والضلالة، وتختلف بعد ذلك في النوع والشكل والمراسم والأساليب.

«فنبوءة السحر يغلب عليها أنها موكلة بالأرواح الخبيثة تسخرها للاطلاع على المجهول أو السيطرة على الحوادث والأشياء. ونبوءة الكهانة يغلب عليها أنها موكلة «بالأرباب!». لا تطيع الكاهن، ولكنها تلبي دعوته وصلواته وتفتح لها مغالق المجهول في يقظته أو منامه وترشده بالعلامات والأحلام، ولا تلبي سائر الدعوات والصلوات! ولكنهما- نبوءة السحر ونبوءة الكهانة- تخالفان نبوة الجذب والجنون المقدس. لأن الساحر والكاهن يدريان بما يطلبان، ويريدان قصدا ما يطلبانه بالعزائم والصلوات، ولكن المصاب بالجذب أو الجنون المقدس مغلوب على أمره، ينطق لسانه بالعبارات المبهمة وهو لا يعنيها، ولعله لا يعيها. ويكثر بين الأمم التي تشيع فيها نبوة الجذب أن يكون مع المجذوب مفسر يدعي العلم بمغزى كلامه، ولحن رموزه وإشاراته. وقد كانوا في اليونان يسمون المجذوب «مانتي manti «ويسمون المفسر «بروفيت prophet «أي المتكلم بالنيابة عن غيره. ومن هذه الكلمة نقل الأوربيون كلمة النبوة بجميع معانيها. وقلما يتفق الكهنة والمجذوبون، إلا أن يكون الكاهن متوليا للتفسير والتعبير عن مقاصد المجذوب، ومضامين رموزه وإشارته. ويحدث في أكثر الأحيان أن يختلفا ويتنازعا لأنهما مختلفان بوظيفتهما الاجتماعية، مختلفان بطبيعة النشأة والبيئة. فالمجذوب ثائر لا يتقيد بالمراسم والأوضاع المصطلح عليها، والكاهن محافظ يتلقى علمه الموروث- في أكثر الأحيان- من آبائه وأجداده. وتتوقف الكهانة على البيئة التي تنشأ فيها الهياكل والصوامع المقصودة في الأرجاء القريبة والبعيدة؛ ولا يتوقف

<<  <  ج: ص:  >  >>