الجذب على هذه البيئة، لأنه قد يعتري صاحبه في البرية، كما يعتريه في الحاضر المقصود من أطراف البلاد».
وهكذا حفلت الجاهليات- ومنها الجاهليات التي انحرفت عن التصور الصحيح الذي جاءت به الرسالات السماوية- بمثل هذه التصورات الباطلة عن طبيعة النبوة وطبيعة النبي. وكان الناس ينتظرون ممن يدعي النبوة مثل هذه الأمور؛ ويطالبونه بالتنبؤ بالغيب تارة، وبالتأثير في النواميس الكونية عن طريق الكهانة أو طريق السحر تارة ..
ومن هذا المعين كانت اقتراحات المشركين على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولتصحيح هذه الأوهام كلها جاءت التقريرات المكررة في القرآن الكريم عن طبيعة الرسالة وطبيعة الرسول ومنها هذا التقرير:
أقول: لقد أكرم الله رسوله صلّى الله عليه وسلّم بأن أطلعه على بعض الغيوب، وقد يكرم الله- عزّ وجل- مسلما بأن يلهمه حقا، أو يجري على لسانه كلمة حق، أو يريه رؤيا حق، وبعض ذلك قد يكون له صلة بأمر غيبي. وقد يكرم الله المسلمين باستجابة دعاء فيسخر لهم ما يسخر ولكنّ ذلك ليس هو الأساس الذي يبني عليه المسلم مواقفه.
إن كثيرين من مسلمي عصرنا بسبب من رؤية كرامة لولي، أو بسبب من إلهام حق لصالح يتابعون صاحب ذلك في كل شئ وينسون تكليف الله لهم في القيام بأمره ونصرة شريعته، ووجوب التعاون مع المسلمين على الخير، ووجوب كون المسلمين صفا واحدا. إن هذه الآية تصحح مفاهيم خاطئة كثيرة في أمر النبوة وفي أمر الدخول في الإسلام، وفي أمر المتابعة عليه. فليس رسول الله ملكا ومن ثمّ يتابع، وليس رسول الله عالما بالغيب ومن ثمّ يتابع، وليس بيد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خزائن الله ومن ثمّ يتابع، إنه يتابع لأنه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وقد يعطيه الله ويعطي من تابعه، وقد يكرمه الله بشيء من علم الغيب، ثم هو أكرم على الله من ملائكته ولكنّ صفته هي أنّه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
ولا زالت القضايا التي صححتها الآية محل غلط عند كثير من المسلمين: فالرّفاه عند بعضهم هو الهدف من حمل الإسلام والمطالبة بإقامته، إن الرفاه سيتحقق بإذن الله،