شريك. إنما كانوا يبتدعون أسطورة بنوة الملائكة لله سبحانه. ثم يصوغون للملائكة تماثيل يعبدونها فيها. ثم يزعمون أن عبادتهم لتماثيل الملائكة- وهي التي دعوها آلهة أمثال اللات والعزى ومناة- ليست عبادة لها في ذاتها، إنما هي زلفى وقربى لله؛ كي تشفع لهم عنده، وتقرّبهم منه!
وهو انحراف عن بساطة الفطرة واستقامتها، إلى هذا التعقيد والتخريف. فلا الملائكة بنات الله. ولا الأصنام تماثيل للملائكة. ولا الله- سبحانه- يرضى بهذا الانحراف. ولا هو يقبل فيهم شفاعة. ولا هو يقربهم إليه عن هذا الطريق!
وإن البشرية لتنحرف عن منطق الفطرة كلما انحرفت عن التوحيد الخالص البسيط الذي جاء به الإسلام، وجاءت به العقيدة الإلهية الواحدة مع كل رسول. وإنا لنرى اليوم في كل مكان عبادة للقديسين والأولياء، تشبه عبادة العرب الأولين للملائكة- أو تماثيل الملائكة- تقربا إلى الله- بزعمهم- وطلبا لشفاعتهم عنده. وهو سبحانه يحدد الطريق إليه. طريق التوحيد الخالص الذي لا يتلبس بوساطة أو شفاعة على هذا النحو الأسطوري العجيب!)
كلمة في السياق:[الآيات السابقة وعلاقتها بمحور السورة]
قلنا إن محور السورة هو قوله تعالى: الم* ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ والآيات السابقة قرّرت أن هذا الكتاب من عند الله، وأنّ ذلك يقتضي توحيد الله بالعبادة، وإذن فأوّل مظاهر هدايته للمتقين دلالتهم على إفراد الله تعالى بالعبادة، وإخلاصهم إيّاها لله عزّ وجل، وإن الشرك بكل صوره باطل، ولنلاحظ الصلة بين قوله تعالى في الآيات المارة إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كاذِبٌ كَفَّارٌ، وبين قوله تعالى في الآية التي هي محور السورة من سورة البقرة هُدىً لِلْمُتَّقِينَ ولنلاحظ أنه في سورة البقرة قال تعالى بعد مقدمتها يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ مما يشير إلى أن نقطة البداية الصحيحة للوصول إلى التقوى هي العبادة، وسورة الزمر- التي هي تفصيل لقوله تعالى:
ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ- تذكر في سياقها الآن نقطة البداية التي يقتضيها إنزال هذا القرآن، وهي العبادة الخالصة لله عزّ وجل، التي هي الطريق للاهتداء إلى اتباع كتاب الله، والتي هي اللازم الأول لإنزال الكتاب، وبعد أن بيّن الله عزّ وجل في الآيات التي مرّت معنا استحقاقه وحده للعبادة، وأنّه منزّه عن الشريك