للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تفسير المجموعة الثانية من المقطع الأول]

بما مرّ أقام الله عزّ وجل الحجّة على وجوب شكره. وبعد أن أقام الحجة على ذلك تأتي الآن فقرتان تحدثاننا عما قابلوا به هذا من الكفر وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً قال النسفي: أي قالوا: الملائكة بنات الله فجعلوهم جزءا له وبعضا منه كما يكون الولد جزءا لوالده. أقول: وهذه الآية تردّ كل مذهب يقول بجزئية المخلوقات للخالق. كأن يقول قائل: إن هذا الكون هو جزء اللذات الإلهية، أو إن الذات الإلهية تكثفت فكان هذا الكون؛ لأن هذا كله يفيد الجزئية، وهي كفر بنص هذه الآية. وهو موضوع سنتعرض له في الفوائد. إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ قال النسفي: أي لجحود للنعمة ظاهر جحوده لأن نسبة الولد إليه كفر، والكفر أصل الكفران كله.

أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَناتٍ وَأَصْفاكُمْ بِالْبَنِينَ قال النسفي: أي بل اتخذ، والهمزة للإنكار تجهيلا لهم وتعجيبا من شأنهم، حيث ادعوا أنه اختار لنفسه المنزلة الأدنى ولهم الأعلى. قال ابن كثير: (وهذا إنكار عليهم غاية الإنكار)

ثم ذكر تمام الإنكار فقال جلّت عظمته وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِما ضَرَبَ لِلرَّحْمنِ مَثَلًا أي شبها قال النسفي: لأنه إذا جعل الملائكة جزءا له وبعضا منه فقد جعله منه جنسه ومماثلا له؛ لأن الولد لا يكون إلا من جنس الوالد ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ يعني أنهم نسبوا إليه هذا الجنس، ومن حالهم أنّ أحدهم إذا قيل له: قد ولدت لك بنت اغتم واربدّ وجهه غيظا وتأسفا وهو مملوء من الكرب. قال ابن كثير: أي إذا بشر أحد هؤلاء بما جعلوه لله من البنات يأنف من ذلك غاية الأنفة، وتعلوه كآبة من سوء ما بشّر به، ويتوارى من القوم من خجله من ذلك. يقول تبارك وتعالى. فكيف تأنفون أنتم من ذلك وتنسبونه إلى الله عزّ وجل؟ ثم قال سبحانه

أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ أي: يتربّى في الزينة والنّعمة وَهُوَ فِي الْخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ أي: ليس عنده قوة إقامة الحجة كالرجل. فتحصّل من السياق أنهم قد جمعوا في كفرهم أنواعا من الكفر، وذلك أنّهم نسبوا إلى الله الولد، ونسبوا إليه ما يعتبرونه أقلّ النوعين الذكر والأنثى، فأقاموه في أنفسهم المقام الأدنى، وارتضوا له ما لا يرتضون لأنفسهم، وجعلوهم من الملائكة المكرمين، فاستخفوا بهم إذ جعلوهم إناثا،

قال تعالى: وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً والملائكة مخلوقات نورانية لا يوصفون بذكورة وأنوثة وخنوثة، ثمّ هم عباد لله، وكيف تجتمع العبودية لله، مع الولاد؟ قال تعالى منكرا عليهم ورادا أَشَهِدُوا

<<  <  ج: ص:  >  >>