للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أهلها هذا. أقول: إن هذه المعاني كلها من الدنيا التي رغب الله عنها وزهد فيها كَمَثَلِ غَيْثٍ وهو المطر أَعْجَبَ الْكُفَّارَ أي: الزراع نَباتُهُ قال ابن كثير: أي: يعجب الزراع نبات ذلك الزرع الذي نبت بالغيث، وكما يعجب الزراع ذلك كذلك تعجب الحياة الدنيا الكفار؛ فإنهم أحرص شئ عليها وأميل الناس إليها ثُمَّ يَهِيجُ أي: هذا النابت بالغيث فَتَراهُ مُصْفَرًّا بعد خضرته ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً أي: متفتتا. قال ابن كثير: (أي: يصير يبسا متحطما، هكذا الحياة الدنيا تكون أولا شابة، ثم تكتهل، ثم تكون عجوزا شوهاء، والإنسان يكون كذلك في أول عمره، وعنفوان شبابه غضا طريا لين الأعطاف، بهي المنظر، ثم إنه يشرع في الكهولة فتتغير طباعه، ويفقد بعض قواه، ثم يكبر فيصير شيخا كبيرا ضعيف القوى، قليل الحركة، يعجزه الشئ اليسير). وقال النسفي: (شبه حال الدنيا وسرعة تقضيها مع قلة جدواها بنبات أنبته الغيث فاستوى وقوي وأعجب به الكفار الجاحدون لنعمة الله فيما رزقهم من الغيث والنبات، فبعث عليه العاهة فهاج واصفر وصار حطاما؛ عقوبة لهم على جحودهم كما فعل بأصحاب الجنة وصاحب الجنتين).

قال ابن كثير: ولما كان هذا المثل دالا على زوال الدنيا وانقضائها وفراغها لا محالة، وأن الآخرة كائنة لا محالة حذر من أمرها ورغب فيما فيها من الخير فقال: وَفِي الْآخِرَةِ عَذابٌ شَدِيدٌ للكفار وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوانٌ للمؤمنين. قال النسفي:

(يعني أن الدنيا وما فيها ليست إلا من محقرات الأمور، وهي اللعب واللهو والزينة والتفاخر والتكاثر، وأما الآخرة فما هي إلا أمور عظام، وهي العذاب الشديد والمغفرة والرضوان من الله الحميد) وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ أي: لمن ركن إليها واعتمد عليها. قال ابن كثير: (أي: هي متاع فان غار لمن ركن إليه؛ فإنه يغتر بها وتعجبه حتى يعتقد أنه لا دار سواها ولا معاد وراءها)، وهكذا عرفنا الله على حقيقة الدنيا وحقيقة الآخرة، مع إقامة الدليل على مجئ اليوم الآخر، وإذ استقرت تفاهة الدنيا بالنسبة للآخرة يأتي الآن الأمر بالمسابقة إلى الآخرة. قال النسفي: ولما حقر الدنيا وصغر أمرها، وعظم أمر الآخرة، بعث عباده على المسارعة إلى نيل ما وعد من ذلك وهي المغفرة المنجية من العذاب الشديد

والفوز بدخول الجنة يقول: سابِقُوا أي: بالأعمال الصالحة أو سارعوا مسارعة السابقين لأقرانهم في المضمار إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ قال ابن كثير: حث الله تعالى على المبادرة إلى الخيرات من فعل الطاعات وترك المحرمات التي تكفر عن الذنوب والزلات، وتحصل الثواب والدرجات وَجَنَّةٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>