الصلة بين الآية التي هي مقدمة المقطع: وَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُوراً ونهاية هذه الآية فَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْياناً كَبِيراً فلا القرآن ينفعهم، ولا الآيات تنفعهم، ولا ما يحدث حولهم ينفعهم. فموضوع الهداية والضلال ترتبط به أمور وأمور، والله هو المحيط علما بكل شئ ثم يأتي الموضوع الثاني المبدوء بكلمة إذ.
٢ -
وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ أي واذكر إذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أبى أن يسجد افتخارا على آدم واحتقارا له قالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً أي أأسجد له وهو طين، أي وأصله طين
قالَ الشيطان أَرَأَيْتَكَ أي أخبرني هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ أي أخبرني عن هذا الذي فضّلته، لم كرّمته علي وأنا خير منه. فحذف ذلك اختصارا لدلالة ما تقدم عليه لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ أي لأستولينّ عليهم ولأضلنهم ولأستأصلنهم بإغوائهم إِلَّا قَلِيلًا وهم المخلصون، وإنما علم الملعون ذلك إما بالإعلام أو لأنه رأى أنه خلق شهواني، أو لأنه رأى أنواعا من مثله على الأرض من قبل فاستدل بفعلهم على احتمالات ما يفعلونه
قالَ اذْهَبْ أي امض لشأنك الذي اخترته خذلانا وتخلية، ثم أعقبه بذكر ما جرّه سوء اختياره فقال: فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ جَزاءً مَوْفُوراً أي وافرا موفرا عليكم، لا ينقص لكم منه شئ
وَاسْتَفْزِزْ أي استزلّ واستخف مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ أي: بوسوستك، وكل داع يدعو إلى معصية الله فهو صوت للشيطان يتكلم بلسانه وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ أي وصح عليهم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ أي بكل راكب وماش من أهل الفساد. أي واحمل عليهم بجنودك خيالتهم ورجالتهم ومعناه تسلط عليهم بكل ما تقدر عليه قال ابن كثير: وهذا أمر قدري وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ أما المشاركة فى الأموال فيدخل في ذلك جمعها من خبث، وإنفاقها في حرام. ويدخل في ذلك ما حرموه من أنعامهم من البحائر والسوائب، ويدخل في ذلك ما ابتدعوه من أنظمة كافرة في شئون المال. وأما المشاركة في الأولاد فيدخل فيه كل مولود ولدته أنثى عصي الله فيه بتسميته بما يكرهه الله. أو بإدخاله في غير الدين الذي ارتضاه الله، أو بالزنا بأمه، أو بقتله، أو بوأده. فكل ما عصي الله فيه أو به، أو أطيع الشيطان فيه أو به، فهو مشاركة وَعِدْهُمْ أي المواعيد الكاذبة: من شفاعة الآلهة، والكرامة على الله بالأنساب الشريفة، وإيثار العاجل على الآجل، وجعلهم يعيشون على الآمال الكاذبة