بدأ المقطع الأول بالكلام عن عقوبة الذين يحادون الله ورسوله، ثم في الفقرة الأولى أكد على موضوع علم الله بكل شئ، ومن ذلك حديث الناس، وفي الفقرة الثانية كان الحديث عن المناجاة الظالمة بين أعداء الله عزّ وجل، وفي سياق ذلك علم الله المسلمين أدب المناجاة، وأدب المجالس، وأدب خطاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم تأتي الفقرة الثالثة وفيها كلام عن تولي الكافرين الذي هو قطع لما أمر الله به أن يوصل من موالاة أهل الإيمان، وبهذا يكون المقطع قد حدثنا عن أهم مظهرين من مظاهر محادة الله ورسوله، التناجي الظالم، والموالاة للكافرين فلنر الفقرة الثالثة.
[تفسير الفقرة الثالثة]
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قال النسفي:(كان المنافقون يتولون اليهود وهم الذين غضب الله عليهم ... ) ما هُمْ مِنْكُمْ وَلا مِنْهُمْ أي:
ما هم منكم يا مسلمون ولا هم من اليهود، قال ابن كثير:(أي: هؤلاء المنافقون ليسوا في الحقيقة منكم أيها المؤمنون ولا من الذين يوالونهم وهم اليهود). أقول: ويدخل في ذلك كل ولاية من قبل مسلم لكافر. قال ابن كثير: يقول الله تعالى منكرا على المنافقين في موالاتهم الكفار في الباطن، وهم في نفس الأمر لا معهم ولا مع المؤمنين وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ أي: يقولون: والله إنا لمسلمون لا منافقون وَهُمْ يَعْلَمُونَ أنهم كاذبون منافقون. قال ابن كثير:(يعني المنافقين يحلفون على الكذب وهم عالمون بأنهم كاذبون فيما حلفوا وهي اليمين الغموس، ولا سيما في مثل حالهم اللعين- عياذا بالله منه- فإنهم كانوا إذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا، وإذا جاءوا الرسول حلفوا له بالله أنهم مؤمنون، وهم في ذلك يعلمون أنهم يكذبون فيما حلفوا به، لأنهم لا يعتقدون صدق ما قالوه وإن كان في نفس الأمر مطابقا، ولهذا شهد الله بكذبهم في أيمانهم وشهادتهم لذلك)
أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً أي: نوعا من العذاب متفاقما إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ أي: إنهم كانوا في الزمان الماضي مصرين على سوء العمل، قال ابن كثير: أي: أرصد الله لهم على هذا الصنيع العذاب الأليم على أعمالهم السيئة، وهي موالاة الكافرين ونصحهم، ومعاداة المؤمنين وغشهم،
ولهذا قال تعالى: اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ الكاذبة جُنَّةً أي: وقاية دون أموالهم