(أحدهما): إنما كان ذلك في الحياة الدنيا كما هو مقيد في هذه الآية. (والثاني):
فيهما لقوله تعالى: وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ* فَآمَنُوا فَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ فأطلق عليهم الإيمان والإيمان منقذ من العذاب الأخروي وهذا هو الظاهر، والله أعلم.
وقال قتادة في تفسير هذه الآية: لم ينفع قرية كفرت ثم آمنت حين حضرها العذاب فتركت إلا قوم يونس، لما فقدوا نبيهم وظنوا أن العذاب قد دنا منهم قذف الله في قلوبهم التوبة، ولبسوا المسوح وفرقوا بين كل بهيمة وولدها، ثم عجوا إلى الله أربعين ليلة، فلما عرف الله منهم الصدق من قلوبهم، والتوبة والندامة على ما مضى منهم، كشف عنهم العذاب بعد أن تدلى عليهم، قال قتادة: وذكر أن قوم يونس بنينوى أرض الموصل. وكذا روي عن ابن مسعود ومجاهد وسعيد بن جبير وغير واحد من السلف، وكان ابن مسعود يقرؤها (فهلا كانت قرية آمنت) وقال أبو عمران عن أبي الجلد قال:
لما نزل بهم العذاب جعل يدور على رءوسهم كقطع الليل المظلم، فمشوا إلى رجل من علمائهم فقالوا: علمنا دعاء ندعو به لعل الله يكشف عنا العذاب فقال قولوا: (يا حي حين لا حي، يا حي محيي الموتى، يا حي لا إله إلا أنت) قال: فكشف عنهم العذاب وتمام القصة سيأتي مفصلا في سورة الصافات إن شاء الله) اهـ. كلام ابن كثير.
٣ - كثيرون يشكل عليهم موضوع التوفيق بين عموم المشيئة الإلهية، واختيار الإنسان، وما ذلك إلا للجهل بالله تعالى، فالله تعالى محيط علما بكل شئ، وقد علم ما سيفعله كل إنسان، فأراد ذلك عدلا، وأبرز ذلك بقدرته، فالعلم كاشف لا مجبر، والإنسان مخير، ومن اختار الهدى وأخذ بأسبابه وفقه الله إليه، ومن اختار الضلال ورفض أسباب الهداية يسره الله فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى *. (سورة الليل ٥ - ١٠) ولنعد إلى السياق.
بعد أن هدم الله فيما مر من هذا المقطع معقلا من معاقل الشك، أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول: قُلِ انْظُرُوا ماذا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ من الظواهر والآيات الدالة على أسماء الله وصفاته، وما أكثرها وما أغزرها، وقد سجلنا طرفا منها في كتابنا (الله جل جلاله) وَما تُغْنِي الْآياتُ جمع آية وَالنُّذُرُ جمع نذير عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ
دل هذا على أن في السموات والأرض آيات كثيرة ونذرا كثرا، ومن النذر الرسل، ولكن الكفرة لا يستفيدون من ذلك شيئا. والمعنى: وأي