فلا نظهرها عند الاحتياج إليها، أو عند الطلب منا أن نؤديها. ثم بين أن من يكتم الشهادة فذلك دليل فجور قلبه، ثم هددنا بأن الله يعلم أعمالنا كلها. فلنحرر أعمالنا على مقتضى شرعه.
ثم يختتم هذا القسم كله بالآية الثالثة. فيخبر الله تعالى فيها أن له ملك السموات والأرض وما فيهن، وما بينهن. وأنه المطلع على ما فيهن، لا تخفى عليه الظواهر ولا السرائر، والضمائر، وإن دقت وخفيت. وأخبر أنه سيحاسب عباده على ما فعلوه، وما أخفوه في صدورهم فيعذب من يشاء، ويغفر لمن يشاء وأنه على هذا وغيره قادر.
فإذا عرفنا أن هذه الآية ختام هذا المقطع، عرفنا صلتها بفقراته كلها. فما بين قوله تعالى في أول هذا المقطع: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ ... وبين قوله تعالى في هذه الآية: لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ صلة واضحة. وما بين أمره تعالى بالإنفاق في سبيله، وعدم المن والأذى صلة واضحة مع:
وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ .... وما بين النهي عن الربا، وبين الآية صلة واضحة. فمالك السموات والأرض له أن يحرم، أو يحل. وما بين آية الدين، وما بعدها، وهذه الآية كذلك صلة واضحة. إذ كتمان الشهادة، أو مضارة الشهيد، وأمثال ذلك مرتبط بإبداء ما في الأنفس، أو إخفائه.
[فائدة حول السياق في هذا المقطع]
نستطيع الآن، بعد ذكر المعنى العام لهذه الفقرة- وقبل ذكر المعنى الحرفي- أن نذكر مزيدا من الصلة بين فقرات هذا المقطع فنقول:
١ - إن هذا المقطع يمثل التوجيهات الربانية الرئيسية في موضوع الاقتصاد الإسلامي الذي يقوم على مبدأ الصدقات الإجبارية والطوعية، والذي يقوم على أساس غير ربوي، والذي يقوم على أسس ضبط التعامل بين الناس على مبادئ العدل والحق، والذي يقوم على أساس الاعتراف لله بمالكيته لكل شئ. هذا الاقتصاد الذي يقوم على أساس تربية الضمير والوجدان.
٢ - إن ذكر فقرة عن الربا بين آيات الإنفاق وآية الدين ذو مغزى كبير إذ من هذا السياق ندرك البديل عن النظام الربوي. إن الله الذي حرم الربا، فتح للمسلمين طرق الخلاص منه. هذه الطرق إذا وجدت بشكل عفوي قضت على الربا،