إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ فالمنزل هو الله تعالى، والمنزل عليه محمد صلّى الله عليه وسلم، والمنزل بالحق الكتاب، ويلاحظ التشابه بين الآية الأولى في السورة وهذه الآية قال النسفي:(هذا ليس بتكرار؛ لأنّ الأول (أي: ما ورد في الآية الأولى) كالعنوان للكتاب، أي: القرآن، والثاني (أي: ما ورد في هذه الآية لبيان ما في الكتاب) أي:
القرآن، أي لبيان مضمون ما في هذا الكتاب وهو الحق الخالص، وبعد أن بيّن الله عزّ وجلّ هذا، أمر الله رسوله صلّى الله عليه وسلم بالعبادة والإخلاص، فهما لازما كون هذا القرآن من عند الله، وكونه حقا خالصا، لقد خلق الله الخلق لعبادته، فشئ بديهي أن ينزل كتابه من أجل هذه العبادة، وبيانها والمطالبة بها، وذكر شروطها
ومواصفاتها، ومن ثمّ قال:
فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ أي: ممحّضا له الدين من الشرك والرياء، وذلك بالتوحيد، وتصفية السر، قال ابن كثير:(أي: فاعبد الله وحده لا شريك له، وادع الخلق إلى ذلك، وأعلمهم أنه لا تصلح العبادة إلا له وحده، وأنه ليس له شريك ولا عديل ولا نديد)
أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ أي: هو الذي وجب اختصاصه بأن تخلص له الطاعة من كل شائبة كدر؛ لاطّلاعه على الغيوب والأسرار. فالدين في الآية المراد به الخضوع والطاعة. قال ابن كثير في الآية:(أي: لا يقبل من العمل إلا ما أخلص فيه العامل لله وحده لا شريك له) وهذا لا يكون إلا بالتوحيد الخالص، ومن ثمّ فسّر قتادة الدين في الآية: بأنه شهادة أن لا إله إلا الله وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أي: من دون الله أَوْلِياءَ أي: آلهة فإنهم يقولون ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى أي: تقربا، أي: ليشفعوا لهم عند الله تعالى في نصرهم ورزقهم، وما ينوبهم من أمور الدنيا، أما الآخرة فكانوا جاحدين لها، كافرين بها إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ