من أهل الكتاب يرون فضل الله وقف عند عيسى فلم يتعده إلى غيره من بعده لمحمد صلى الله عليه وسلم فيعطى مثل ما أعطي، وأن فضل الله وقف عليهم فلم تعط أمة مثل ما أعطوا، ومن ثم أمر الله عزّ وجل هذه الأمة بتقواه والإيمان برسوله صلى الله عليه وسلم ليعلم هؤلاء جميعا أنهم لا يستطيعون حصر فضل الله، وأنهم عاجزون عن نيله، وأن الله عزّ وجل مطلق المشيئة، يؤتي فضله من يشاء، وكل ذلك يكون من خلال تقوى هذه الأمة وإيمانها برسولها، فإن أفراد هذه الأمة إذا كانوا متقين مؤمنين،
فإنهم بسلوكهم العملي يعرفون أهل الكتاب على هذه الحقيقة، هذا إذا كان تقدير الكلام يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله لئلا يعلم أهل الكتاب ألا يقدرون على شئ من فضل الله ... أما إذا كان التقدير يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ... لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ فإن المعنى يكون: إن الله عزّ وجل أعطاكم هذا ليعلم أهل الكتاب الكفرة يوم القيامة أنهم عاجزون عن نيل شئ من فضل الله، وأن الفضل بيده يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ ....
...
[كلمة في السياق]
١ - جاءت هاتان الآيتان بعد ما ذكر الله عزّ وجل موقف أمم سابقة من الهدى الذي أنزل عليها، فجاءتا لتهيجا المسلمين على التقوى والإيمان، ولتحولا بين المسلمين وبين الفسوق، ولذلك صلته بما جاء قبلهما مباشرة.
٢ - نلاحظ أن المقطع الوحيد في السورة بدأ بالأمر بالإيمان بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ... وبعد أن انتهى المقطع جاءت هاتان الآيتان آمرة بتقوى الله، والإيمان برسوله صلى الله عليه وسلم تأكيدا لما بدأ به المقطع.
٣ - وبانتهاء السورة نلاحظ أن السورة بدأت بالتعريف على الله وأسمائه وأفعاله، ثم أمرت بالإيمان به وبرسوله، وبالإنفاق في سبيله، ثم أمرت بالخشوع للقرآن، وحذرت من قسوة القلب والفسوق، ثم ختمت السورة بالأمر بتقوى الله والإيمان برسوله، وجاء خلال ذلك ما يخدم هذه المعاني، وكان حصيلة ذلك كله تفصيلا لقضايا من الإيمان بالغيب، والإنفاق في سبيل الله، والاهتداء بكتاب الله، وما يقابل ذلك من كفر ونفاق وفسوق، وفي ذلك تفصيل لمقدمة سورة البقرة.