للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رسول وَلا تَنْقُصُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ أي لا تنقصوا المكيل بالمكيال، ولا تنقصوا الموزون بالميزان بل أدوهما كاملين أخذا وعطاء إِنِّي أَراكُمْ بِخَيْرٍ أي في معيشتكم ورزقكم فأنتم بثروة وسعة تغنيكم عن التطفيف، أو المعنى: إني أراكم بنعمة من الله حقها أن تقابل بغير ما تفعلون من شرك وخيانة وَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ أي مهلك والمراد به إما عذاب الاستئصال في الدنيا، أو عذاب الآخرة

وَيا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ أى أتموهما بالعدل، نهاهم أولا عن عين القبيح الذي كانوا عليه من نقص المكيال والميزان، ثم ورد الأمر بالإيفاء الذي حسن في العقول لزيادة الترغيب فيه، وجئ به مقيدا بالقسط ليعني: ليكن الإيفاء على وجه العدل والتسوية من غير زيادة ولا نقصان وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ أي لا تنقصوا في حقهم شيئا، أشياءهم المعنوية وأشياءهم المادية نقصا حسيا أو معنويا وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ العيث: أشد الفساد نحو السرقة والغارة وقطع السبيل، بدأ بالدعوة إلى عبادة الله، ثم بالدعوة إلى عدم نقص المكيال والميزان وإيفائهما، ثم بالدعوة إلى إعطاء الناس القيمة الحقيقية لأشيائهم، ثم بالدعوة إلى ترك الفساد أصلا في الأرض.

ثم ذكرهم فقال: بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ أي ما يبقى لكم من الحلال بعد التنزه عما هو حرام عليكم خير لكم في الدنيا والآخرة، بشرط أن تؤمنوا، والحقيقة أن بقية الله خير للكفرة أيضا، لأنهم يسلمون منها من تبعة البخس والتطفيف وما يترتب عليهما من شرور اجتماعية، إلا أن فائدتها أظهر في حق أهل الإيمان للسلامة من الشرور مع حصول الثواب مع النجاة من العقاب، بينما لا تظهر الثمرات كاملة مع عدم الإيمان، ومن ثم نقول: إن النظام الاقتصادي الإسلامي لا يقوم وتظهر ثمراته كاملة إلا في مجتمع مؤمن، وقد أفادنا النص تعظيم الإيمان والتنبيه على جلالة شأنه وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ أي برقيب، أي افعلوا ذلك لله عزّ وجل، لا تفعلوه ليراكم الناس؛ إذ الله هو الحفيظ؛ فاحفظوا نعمه بترك البخس، واحفظوا أوامره ليحفظكم ويحفظ أموالكم، فماذا كان جوابهم؟ لقد كان جوابهم مختلفا عما عهدناه في الأجوبة التي مرت معنا في القصص السابقة، فالسورة تعرض لنا أكثر من نموذج

قالُوا على سبيل التهكم يا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوالِنا ما نَشؤُا قال الحسن: إي والله إن صلاته لتأمر أن يتركوا ما كان يعبد آباؤهم، وهكذا أنكروا عليه أن يأمرهم وينهاهم، وهكذا اعتبروا أنهم أحرار في عبادة من

<<  <  ج: ص:  >  >>