كما بدأ المقطع الأول بالتعريف على الله، ثم بنى على هذه المعرفة، كما هو الحال في الآيتين اللتين هما محور هذه السورة من سورة البقرة، وبما فصل بعضا من معاني الآيتين فكذلك هذا المقطع: فتأمله: اللَّهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى يخبر تعالى عن تمام علمه الذي لا يخفي عليه شئ، وأنه محيط بما تحمله الحوامل من كل إناث الحيوانات، سواء كانت تحمل ذكرا أو أنثى، تماما أو خداجا، حسنا أو قبيحا، طويلا أو قصيرا إلى غير ذلك وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ أي وما تغيضه الأرحام أي وما تنقصه وَما تَزْدادُ أي وزيادتها ويحتمل الغيض والزيادة بعدد الولد، فإنها تشتمل على واحد واثنين وثلاثة وأربعة، وأحيانا يكون سقطا. ويحتمل أن يكون الغيض والزيادة بجسد الولد، فإنه يكون تاما ومخدجا، ويحتمل أن يكون الغيض والزيادة بمدة الولادة، فإنها تكون أقل من تسعة أشهر وأزيد عليها إلى سنتين عند الحنفية وإلى أربع عند الشافعي، وإلى خمس عند مالك، ويحتمل أن يكون المعنى ويعلم غيض الأرحام وازديادها بمعنى قلتها وكثرتها وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ أي بقدر وحد لا يجاوزه ولا ينقص عنه، ومن كان هذا شأنه فإنه يعلم الحق ويهدي إليه
عالِمُ الْغَيْبِ أي ما غاب عن الخلق وَالشَّهادَةِ أي ما يشاهده الخلق أي يعلم كل شئ مما يشاهده العباد، ومما يغيب عنهم، ولا يخفي عليه منه شئ الْكَبِيرُ العظيم الشأن الذي كل شئ دونه، فهو أكبر من كل شئ الْمُتَعالِ على كل شئ
سَواءٌ أي في علمه مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ أي سواء في علمه من أسر قوله أو جهر به، فإنه يسمعه ويعلمه لا يخفى عليه شئ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ أي متوار مختف في مقر بيته في ظلام الليل وَسارِبٌ بِالنَّهارِ أي ذاهب في سربه نهارا، أو ذاهب في طريقه ووجهه نهارا، فكلاهما في علم الله سواء، المختفي في ظلام الليل والظاهر الماشي في بياض النهار وضيائه
لَهُ أي لمن أسر ومن جهر، ومن استخفى ومن سرب مُعَقِّباتٌ أي جماعات من الملائكة تعتقب في حفظه. مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أي قدامة ووراءه يَحْفَظُونَهُ فمهمتهم إذن الحفظ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ أي من أجل أن الله تعالى أمرهم بحفظه، والتقدير على هذا: له